عَلِيٌّ فَقَالَ قَبَّحَ اللهُ اللَّجَاجَ إِنَّهُ لَقَعُودٌ مَا رَكِبْتُهُ إِلَّا خُذِلْتُ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الْمَخْذُولُ وَاللهِ اللَّخْمِيَّانِ لَا أَنْتَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ اسْكُتْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ لَيْسَ هَذِهِ السَّاعَةُ مِنْ سَاعَاتِكَ فَقَالَ عَمْرٌو فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ سَاعَاتِي فَرَحِمَ اللهُ اللَّخْمِيَّيْنِ وَلَا أَظُنُّهُ يَفْعَلُ (١).
ومن وقائع صفين ليلة الهرير التي خاضت الفرسان فيها في دماء أقرانها وأضرمت الحرب فيها شواظ نيرانها وتعاطى الشجعان فيها كاسات الحمام فمالت بصاحبها وسكرانها وجل الأمر عن المضاربة بسيفها والمطاعنة بسنانها فهرت لحقدها كادمة بأنيابها عاضة بأسنانها قد شعلت بنار الحمية فطائفة تجهد في طاعتها وأخرى تدأب في عصيانها قد صبرت هذه اتباعا لحقها وصدقها وتلك لباطلها وبهتانها قاتلت هذه حسبة سبيل ربها وإمامها وتلك في اتباع غويها وشيطانها وهذه تعلن بتلاوة كتابها وترتيل قرآنها وتلك القاسطة تنادي بدعوى الجاهلية وأوثانها والإمام علیهما السلام قد باشرها بنفسه فكم قتل من رجالها وأردى من فرسانها وكم أنحى على كتيبة فما عاد إلا بعد تفريق جمعها وهد أركانها ووصل بين الحزن وأهلها وفرق بين رءوسها وأبدانها وشتت شمل اجتماعها فجمع عليها بين وحوش الأرض وعقبانها فيا لها من ليلة خرست فيها الشقاشق فلا تسمع إلا همهمة وخشعت لها الأصوات فلا تحس إلا غمغمة وعجزت بها الألسن عن النطق فكان نطقها تمتمة وأرادت التقريع على فعالها فلم تستطعه فاعتاضت عنه زئيرا ودمدمة وأظلم سواد حديدها وليلها وغبارها فعدت بليالي وسال بأرضها طوفان الدم فسوى بين السافل والعالي وأومضت في ظلمائها بوارق السيوف وبدور البيض وشهب العوالي ودارت بها رحى الحرب فطحنت الأواخر والأوالي وانتصب مالك لتلقي روح المعادي واستبشر رضوان بروح الموالي وأمير المؤمنين فارس ذلك الجمع وأسده وإمامه ومولاه وسيده وهادي من اتبعه ومرشده يهدر كالفحل ويزأر كالأسد ويفرقهم ويجمعهم كفعله بالنقد لا يعترضه في إقامة الحق وإدحاض الباطل فتور ولا يلم به في إعلاء كلمة الله وخزي أعدائه قصور يختطف النفوس ويقتطف الرءوس ويلقي
________________
(١) وروى المياشي في التفسير قصته بالبسط من ذلك ج ٢ : ٧٩ ود ذبلته هنابما يفسر معضلاته. وتقله من العامة ابن قيتبة في عيون الاخبار ج ٢ : ٤ ٧ باختلاف يسير بينهما