فِيهِ مِنْهَا وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَابِقَةٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا طَاعَةَ النَّاسِ وَالْوَلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَخَدَعُوا أَتْبَاعَهُمْ بِأَنْ قَالُوا إِمَامُنَا قُتِلَ مَظْلُوماً لِيَكُونُوا بِذَلِكَ جَبَابِرَةً وَمُلُوكاً فَبَلَغُوا مَا تَرَوْنَ وَلَوْ لَا هَذِهِ الشُّبْهَةُ لَمَا تَبِعَهُمْ رَجُلَانِ مِنَ النَّاسِ اللهُمَّ إِنْ تَنْصُرْنَا فَطَالَ مَا نَصَرْتَ وَإِنْ تَجْعَلْ لَهُمُ الْأَمْرَ فَادَّخِرْ لَهُمْ بِمَا أَحْدَثُوا فِي عِبَادِكَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ثُمَّ مَضَى وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ صِفِّينَ إِلَّا تَبِعَهُ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ جَاءَ إِلَى هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي الْوَقَّاصِ وَهُوَ الْمِرْقَالُ وَكَانَ صَاحِبَ رَايَةِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ يَا هَاشِمُ أَعَوَراً وَجُبْناً لَا خَيْرَ فِي أَعْوَرَ لَا يَغْشَى الْبَأْسَ ارْكَبْ يَا هَاشِمُ فَرَكِبَ وَمَضَى مَعَهُ وَهُوَ يَقُولُ :
أَعْوَرُ يَبْغِي أَهْلَهُ مُحِلًّا |
|
قَدْ عَالَجَ الْحَيَاةَ حَتَّى مَلَّا |
وَعَمَّارٌ يَقُولُ تَقَدَّمْ يَا هَاشِمُ ـ الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ وَالْمَوْتُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْأَسَلِّ (١) وَقَدْ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَزُيِّنَتِ الْحُورُ الْعِينُ :
الْيَوْمَ أَلْقَى الْأَحِبَّةَ |
|
مُحَمَّداً وَحِزْبَهُ |
وَتَقَدَّمَ حَتَّى دَنَا مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ يَا عَمْرُو بِعْتَ دِينَكَ بِمِصْرَ تَبّاً لَكَ تَبّاً لَكَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ أَشْهَدُ عَلَى عِلْمِي فِيكَ أَنَّكَ لَا تَطْلُبُ بِشَيْءٍ مِنْ فِعْلِكَ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى وَأَنَّكَ إِنْ لَمْ تُقْتَلِ الْيَوْمَ تَمُتْ غَداً فَانْظُرْ إِذَا أُعْطِيَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ مَا نِيَّتُكَ لِغَدٍ فَإِنَّكَ صَاحِبُ هَذِهِ الرَّايَةِ ثَلَاثاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ وَمَا هِيَ بِأَبَرَّ وَلَا أَتْقَى ثُمَّ قَاتَلَ عَمَّارٌ وَلَمْ يَرْجِعْ وَقُتِلَ.
قَالَ حَبَّةُ بْنُ جُوَيْنٍ الْعُرَنِيُّ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ حَدِّثْنَا فَإِنَّا نَخَافُ الْفِتَنَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْفِئَةِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ سُمَيَّةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ النَّاكِبَةُ عَنِ الطَّرِيقِ فَإِنَّ آخِرَ رِزْقِهِ ضَيَاحٌ مِنْ لَبَنٍ (٢) قَالَ حَبَّةُ فَشَهِدْتُهُ يَوْمَ قُتِلَ يَقُولُ ائْتُونِي بِآخِرِ رِزْقٍ لِي مِنَ الدُّنْيَا فَأُتِيَ بِضَيَاحٍ مِنْ لَبَنٍ فِي قَدَحٍ أَرْوَحَ بِحَلْقَةٍ حَمْرَاءَ فَمَا أَخْطَأَ حُذَيْفَةُ بِقِيَاسِ شِعْرِهِ فَقَالَ :
الْيَوْمَ أَلْقَى الْأَحِبَّةَ |
|
مُحَمَّداً وَحِزْبَهُ |
وَقَالَ :
________________
(١) الأسل : الرماح.
(٢) الضيح والضياح ـ بالفتح ـ : اللبن الرقيق الممزوج (ه. م)