فهذه الأجوبة الصادرة عنه على البديهة من غير روية شاهدة له علیهما السلام ببصيرة باصرة وبديهة حاضرة ومادة فضل وافرة وفكرة على استخراج الغوامض قادرة.
وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام كِتَابٌ كَتَبَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ وَفَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ بَايَعَهُ النَّاسُ وَهُوَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مِنْ عَبْدِ اللهِ الْحَسَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَخْرٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وسلم (رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فَأَظْهَرَ بِهِ الْحَقَّ وَرَفَعَ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَذَلَّ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ وَأَعَزَّ بِهِ الْعَرَبَ عَامَّةً وَشَرَّفَ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ خَاصَّةً فَقَالَ تَعَالَى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى تَنَازَعَتِ الْعَرَبُ الْأَمْرَ بَعْدَهُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ وَقَالَتْ قُرَيْشٌ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَشِيرَتُهُ فَلَا تَنَازَعُوا سُلْطَانَهُ فَعَرَفَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ وَنَحْنُ الْآنَ أَوْلِيَاؤُهُ وَذَوُو الْقُرْبَى مِنْهُ وَلَا غَرْوَ (١) أَنَّ مُنَازَعَتَكَ إِيَّانَا بِغَيْرِ حَقٍّ فِي الدِّينِ مَعْرُوفٍ وَلَا أَثَرٍ فِي الْإِسْلَامِ مَحْمُودٍ وَالْمَوْعِدَ اللهُ تَعَالَى بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَنَحْنُ نَسْأَلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ لَا يُؤْتِيَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا شَيْئاً يَنْقُصُنَا بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَبَعْدُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَلَّانِي هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَاتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَانْظُرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم مَا تَحْقُنُ بِهِ دِمَاءَهُمْ وَتُصْلِحُ بِهِ أُمُورَهُمْ وَالسَّلَامُ.
وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام مَا كَتَبَهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ الَّذِي اسْتَقَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ حَيْثُ رَأَى حَقْنَ الدِّمَاءِ وَإِطْفَاءَ الْفِتْنَةِ وَهُوَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ وَلَايَةَ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَسِيرَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (٢) وَلَيْسَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ عَهْداً بَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِهِ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ النَّاسَ آمِنُونَ حَيْثُ كَانُوا مِنْ أَرْضِ اللهِ شَامِهِمْ وَعِرَاقِهِمْ وَحِجَازِهِمْ وَيَمَنِهِمْ وَعَلَى أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ وَشِيعَتَهُ آمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِذَلِكَ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ
________________
(١) لا غرو اي لا عجب
(٢) وفي نسخة «الصالحين» بدل «الراشدين»