فتلقوها بالرأي الأصيل والصبر الجميل وما استكانوا ولا ضعفوا فلهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا.
فأيهم اعتبرت أحواله وتدبرت أقواله وشاهدت جلاده وجداله وجدته فريدا في مآثره وحيدا في مزاياه ومفاخره مصدقا قديم أوله بحديث آخره فقد أفرغوا في قالب الكمال وتفردوا بجميل الخلال وارتدوا مطارف المجد والجلال وقالوا فأبانوا وبينوا تقصير كل من قال وأتوا بالإعجاز الباهر في الجواب والسؤال تقر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم (١) وتصغي الأسماع إذا قال قائلهم أو نطق ناطقهم ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم ويقف كل ساع عن شأوهم فلا تدرك غايتهم ولا تنال طرائقهم سجايا منحهم بها خالقهم وأخبر بها صادقهم فسر بها أولياؤهم وأصادقهم وحزن لها مبانيهم ومفارقهم فإنه ص أزال الشبهة والالتباس وصرح بفضلهم لئلا يفتقر في إيضاحه إلى الدليل والقياس ونطق معلنا بشرفهم الداني الثمار الزاكي الغراس فقال لو سمع مقاله إنا بني عبد المطلب سادات الناس صلى الله عليه وعليهم أجمعين صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين.
وقد حل الحسين ع من هذا البيت الشريف في أوجه ويفاعه (٢) وعلا محله فيه علوا تطامنت النجوم عن ارتفاعه واطلع بصفاء سره على غوامض المعارف فكشفت له الحقائق عند اطلاعه وسار صيته بالفواضل والفضائل فاستوى الصديق والعدو في استماعه فلما اقتسمت غنائم المجد حصل على صفاياه ومرباعه فقد اجتمع فيه وفي أخيه ع من خلال الفضل ما لا خلاف في اجتماعه وكيف لا يكونا كذلك وهما ابنا علي وفاطمة ع بلا فصل وسبطا النبي ص فأكرم بالفرع والأصل والسيدان الإمامان قاما أو قعدا فقد استوليا على الأمد وحازا الخصل والحسين ع هو الذي أرضى غرب السنان وحد النصل و
__________________
(١) الشقاشق جمع الشقيقة : طائر. وهدر الحمام : صوت.
(٢) اليفاع : ما ارتفع من الأرض.