غادر جثث الأعداء فرائس الكواسب بالهبر والفصل (١)
وأما شجاعته ع فقد قال كمال الدين رحمهالله اعلم وفقك الله على حقائق المعاني ووفقك لإدراكها أن الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس والصفات المضافة إليها فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر ولا تمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها إذ ليست أجساما كثيفة بل طريق معرفتها والعلم بها مشاهدة آثارها فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة فطريقه أن ينظر إلى ما يصدر منه فإذا أحدقت الرجال وحدقت الآجال وحقت الأوجال وتضايق المجال وحاق القتال (٢) فإن كان مجزاعا مهلاعا مرواعا مفزاعا فتراه يستركب الهزيمة ويستبقها ويستصوب الدنية ويتطوقها ويستعذب المفرة ويستفوقها ويستصحب الذلة ويتعلقها مبادرا إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار (٣) مشيحا عن الفخار (٤) باقتحام الأخطار في مقر القراع بكل خطار (٥) فذلك مهبول الأم (٦) مخبول الفهم مفلول الجمع معزول عن السمع مضروب بينه وبين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه وبين الشهامة بإبراء في كتاب ولا تعرف نفسه شرفا ولا تجد عن الخساسة والدناءة منصرفا.
وإن كان مجسارا مجزارا كرارا صبارا يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزاهر المطربة ويسرع إلى مصاف التصادم مسارعته إلى مواصلة النواضر المعجبة خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة مطنبة يعد مصافحة
__________________
(١) غادره : تركه وأبقاه. والهبر : ما اطمأن من الأرض والرمل.
(٢) حاق حيقا وحوقا به : أحاط.
(٣) شبا جمع الشباة وهو من السيف حده. والشفار جمع الشفرة : السكين العظيمة العريضة.
(٤) أشاح عن الشيء : أعرض.
(٥) قارع الابطال قراعا : ضارب بعضهم بعضا.
(٦) هبلته أمه : ثكلته.