لوصمة (١) تسم بالصغار من شرفه خدودا وجباها.
وقد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه وطاوعوه وعاهدوه وتابعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه وأنكروه وجحدوه ومالوا إلى السحت العاجل فعبدوه وخرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه فنصب ع نفسه وإخوته وأهله وكانوا نيفا وثمانين لمحاربتهم واختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم فاعتلقتهم الفجرة اللئام ورهقتهم المردة الطغام ورشقتهم النبال والسهام وأوثقتهم من شبا شفارها الكلام.
هذا والحسين ع ثابت لا تخف حصاة شجاعته ولا تجف عزيمة شهامته وقدمه في المعترك أرسى من الجبال وقلبه لا يضطرب لهول القتال ولا لقتل الرجال وقد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما وأذاقوهم من الحمية الهاشمية رهقا وكلما (٢) ولم يقتل من العصابة الهاشمية قتيل حتى أثخن في قاصديه وقتل وأغمد ظبته في أبشارهم وجدل فحينئذ تكالبت طغام الأجناد على الجلاد وتناسبت الأجلاد في المفاضلة بالحداد وثبت كثرة الألوف منهم على قلة الآحاد وتقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة على العباد فاستبقت الأملاك البررة إلى الأرواح وباء الفجرة بالآثام في الأجساد فسقطت أشلاؤهم المتلاشية على الأرض صرعى تصافح منها صعيدا ونطقت حالهم بأن لقتلهم يوما (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) وتحققت النفوس المطمئنة بالله كون الظالم والمظلوم شقيا وسعيدا وضاقت (الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) على حرم الحسين ع وأطفاله إذ بقي وحيدا.
فلما رأى ع وحدته ورزء أسرته وفقد نصرته تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم
__________________
(١) الوصمة : العار والعيب.
(٢) الرهق : الضعف. الذلة. الهلاك. والكلم : الجرح.