حتى أتى إلى آخرها (١) فلما فرغ أمر له بستمائة دينار وقال استعن بها على سفرك فطلب شيئا من ثيابه فأعطاه جبة فخرج حتى وصل قم فأعطوه بالجبة ألف دينار فأبى أن يبيعها وقال لا والله ولا خرقة منها بألف دينار فاخرجوا من قطع عليه الطريق فأخذوها فرجع إلى قم وكلمهم فيها فقالوا ليس إليها سبيل وأعطوه ألف دينار وخرقة منها.
قلت هذه غير الرواية الأولى وتلك نرويها بأخبرنا وحدثنا.
وروى عن ياسر الخادم والريان بن الصلت أن المأمون لما عقد للرضا ع بولاية العهد أمره بالركوب إلى صلاة العيد فامتنع وقال قد علمت بما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر فاعفني من الصلاة فقال المأمون إنما أريد بذلك أن يعرفك الناس ويشتهر فضلك وترددت الرسل بينهم فلما ألح المأمون عليه قال إن أعفيتني كان أحب إلي وإن أبيت فإني أخرج كما كان يخرج النبي ص وعلي ع فقال المأمون اخرج كيف شئت وأمر القواد والجند والناس يبكروا بالركوب (٢) إلى باب الرضا ع.
فقعد الناس لأبي الحسن ع في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار القواد والجند إلى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ولبس ثيابه وتعمم بعمامة قطن بيضاء وألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ومس طيبا وأخذ عكازا (٣) وقال لمواليه افعلوا كما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف وقد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر وكبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب.
فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا إلى الأرض وكان أحسنهم
__________________
(١) وسيأتي تمامها في الكتاب.
(٢) أي يسرعوا.
(٣) العكاز : العصا ذات زج في أسفلها يتوكأ عليها الرجل.