أيدينا وسرنا حتى دخلنا المدينة.
فقصدت باب أبي الحسن فدخلت إليه وقرأ كتاب المتوكل وقال انزلوا فليس من جهتي خلاف فلما صرت إليه من الغد وكنا في تموز (١) أشد ما يكون من الحر فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له ولغلمانه (٢) وقال للخياط اجمع عليها جماعة من الخياطين واعمل من الفراغ منها يومك هذا وبكر بها إلي في هذا الوقت ونظر إلي وقال يا يحيى اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين وأقول في نفسي نحن في تموز وحر الحجاز وبيننا وبين العراق عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب وقلت في نفسي هذا رجل لم يسافر وهو يقدر أن كل سفر يحتاج إلى هذه الثياب وأتعجب من الروافض حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا.
فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت وقال لغلمانه ادخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس (٣) ثم قال ارحل يا يحيى فقلت في نفسي وهذا أعجب من الأول يخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس.
فخرجت وأنا أستصغر فهمه فسرنا حتى إذا وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت وأرعدت وأبرقت حتى إذا صارت على رءوسنا أرسلت على رءوسنا بردا مثل الصخور وقد شد على نفسه ع وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه ادفعوا إلى يحيى لبادة وإلى الكاتب برنسا وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا وزالت وعاد
__________________
(١) شهر من السنة المسيحية.
(٢) الخفاتين جمع الخفتان : نوع من الثياب.
(٣) اللبد : اللباس المتلبد من الصوف. والبرنس : كل ثوب يكون غطاء الرأس جزءا منه متصلا به.