أوانا (١) فبت بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني إلى بغداد وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام وكان الوزير القمي رحمهالله تعالى قد طلب السعيد رضي الدين رحمهالله وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.
قال فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبى فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال أعنك يقولون قلت نعم فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا ما دواؤها إلا القطع بالحديد ومتى قطعها مات فقال لهم الوزير فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ فقالوا في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر فسألهم الوزير متى رأيتموه قالوا منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا فصاح أحد الحكماء هذا عمل المسيح فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.
ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمهالله تعالى فسأله عن القصة فعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال خذ هذه فأنفقها فقال ما أجسر آخذ منه حبة واحدة فقال الخليفة ممن تخاف فقال من الذي فعل معي هذا قال لا تأخذ من أبي جعفر شيئا فبكى الخليفة وتكدر وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا.
قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته ـ علي بن عيسى عفا الله عنه كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي و
__________________
(١) أو انا : بلدة كثيرة البساتين. نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.