وسرهما من حيث الحقيقة ، هذا يؤيد مذهب الشافعي من أن النكاح لا ينعقد بلفظ التمليك للمباينة بينهما معنى ، لأن لوازم المعاني غير داخلة في أصلابها ، فلزوم التلفيق والضم شرعا بملك اليمين لا يؤثر في زوال المباينة المذكورة كما لا يخفى.
فكثرة طلاقه ونكاحه رضي الله تعالى عنه كان صورة لتلونه رضي الله تعالى عنه بالتجليات الإلهية المتلونة الغير المتكررة ، ويرزق الله عباده الكمّل من نفسه بما شاء من مجاليه المعنوية والروحية والمثالية والحسية ، وليس الحس دون العوالم إلاّ بالنسبة إلى المترقي منه إلى العوالم العلوية.
وأما بالنسبة إلى العارف الصاعد الراجع فالأمر على عكس ذلك ، وهو معنى قولهم : مقام النزول أتم من مقامات العروج ، وإليه الاشارة بقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) وبقوله صلّى الله عليه وسلّم : أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ( وجعل الأرض. صح. ظ ) كله مسجدا وطهورا ، وبيان هذه الأسرار محلها كتابنا ( أنوار الوجد ) وهذا القدر يكفي منه هاهنا ، وهذا الوجه في فعله رضي الله تعالى عنه تحفة مهداة إلى أهل الطريق من الفقراء الصادقين ، فقد علم كلّ أناس مشربهم وإن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها.
وثانيهما : أنه قد ثبت في الحديث ما دل على أن أهل بيته صلّى الله عليه وسلّم لا يتزوجون إلاّ من أهل الجنّة ، فأراد رضي الله تعالى عنه دخول صهره في هذه البشارة ، وشقاوة جده لا ينافي سعادة أهله الذين وصلوا بالإمام الحق ، وكأنه بإرادته هذه تنبّه رجل من همدان بحيث قال ما قال ، وقصة ذلكما أورده ابن سعد : أن عليا رضي الله تعالى عنه لما دخل الكوفة قال : يا أهل الكوفة إن الحسن رجل مطلاق فلا تزوّجوه ، فقام رجل من همدان فقال : لنزوجنه فما شاء أمسك وما شاء طلّق. انتهى. فذهب بخير الدنيا والآخرة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء