الأصحاب عنها مع صحّتها وقوَّتها (١) فلا ينكر بذلك لا على تلك الكتب ، ولا على مؤلّفيها ، مع أنّهم لم يكونوا بصدد الاستيعاب والاستقصاء ، بل على وتيرة أصحاب الصحاح : يوردون من الأحاديث المخالفة للمذهب اُنموذجاً منها ، ليصحَّ البحث عنها بالجمع أو الطرح ، فلا يوردون الباقي منها وإن كانت صحيحة ، ويقتصرون فيما يوافق المذهب على المعتبر منها ، لعدم مسيس الحاجة إلى غيرها ، اللّهمَّ إلّا للتأييد .
فكما ذكرنا في المسئلة السابقة ، وظيفة المحدِّث الجامع النقل والاستيفاء وتكثير الاسناد والروايات ، وأمّا البحث عن صحّة الحديث وسقمه وضعفه وقوَّته : بالفحص عن رجال سنده ، فهو شأن آخر يتكفّل بها علم الرجال والدراية ، وليس يخفى هذا الشأن إلّا على كلِّ جاهل مغفَّل : إمّا مفرِّط يحكم على المؤلّف بسقوطه وعدم تورُّعه حيث أورد الأحاديث الضعاف فيردُّ الكتاب رأساً ، وإمّا مفرط يظنُّ أنَّ اعتبار الحديث يعرف من اعتبار مؤلّفه وجامعه ، فيقبل أحاديثه كملاً ، ويغفل عن أنَّ لكلِّ مؤلّف طريقاً إلى المعصوم قد بيّن شطر منها في كتب المشيخة و الاجازات ، والشطر الاٰخر مذكور في صدر الأحاديث ، ولابدَّ من اعتبار هذين الطريقين معاً .
ومؤلّفنا العلّامة قد أتقن عمله في ذلك وأوضح طريقه إلى المعصوم في كلّ من الوجهين :
أمّا القسم الاول : فقد صنّف فيه كتاب الاجازات ، ليتّضح طريقه إلى المصادر المذكورة في متن الاجازات ، ومالم يذكر ـ وهو القليل منها (٢) ـ قد أبان
________________________
(١) راجع في ذلك شرح المؤلف العلامة على الكافي مرآت العقول ، وهكذا بياناته في كتاب الطهارة والصلاة وغيرهما .
(٢) قال العلامة الافندي فيما ذكره من خطبة كتاب الاجازات ج ١٠٥ ص ٩٢ : « وبالجملة فقد صار هذا المجلد هو الكافل لصحة أكثر كتب أصحابنا » .