وذلك لأنَّ الفروع الفقهيّة لا يجوز التمسّك فيها إلّا بالصحيح أو الحسن من الروايات الّتي تستخرج من المصادر الموثوقة نسبتها إلى مؤلّفيها : فلابدَّ إذاً من معرفة المصدر حتّى يعلم أنّه من الكتب المعتمد عليها أولا ، ولو ذكرت المصادر بالرموز ، فقد تصحّف الرموز وتشتبه بعضها ببعض في القراءة أو الكتابة (١) فيختلُّ معرفة المصدر ويسقط الاحتجاج بحديثه ، كما أنّه لا بدَّ من معرفة رجال السند حتّىى يعلم انّهم ثقات أولا ؟ ولو اقتصر في أسامي الرجال بذكر والدهم أو الوصف والكنية واللقب فقد يوجب الاشتباه والتعمية ويتوهّم الصحيح سقيماً أو بالعكس .
فقد كان نظره قدِّس سرُّه هذا ، لكنّه لم يوفّق لمراده إلّا في كتاب الطهارة والصلاة ، وهكذا كتاب السماء والعالم (٢) ، فرحل إلى جوار الله ورحمته قبل أن يوفّق لهذا الهدف المقدّس في ساير كتب الفروع ، وذلك لأنَّ المؤلّف العلّامة لم يكن من أوَّل التدوين على هذا الأمر ، وإنما بدا له هذا الرأي بعد تدوين الروايات باستخراجها من المصادر ، ولذلك وجدنا المؤلّف العلّامة في الاُصول المبيضّة الّتي وصلت إلينا بخطّه قدّس سرّه ، يتدارك فيما بين السطور هدفه في ذلك بالتصريح بأسماء الكتب وتعريف الرواة بما لا يشتبه معه بغيره .
هذا دأبه وديدنه في الفروع الفقهيّة ، وأمّا ساير الأبواب من التاريخ والفضائل والمعجزات ، فقد كان المتقدّمون من الفقهاء كلّهم يعملون على قاعدة التسامح في الاٰداب والسنن والفضائل ، لا ينكرون على الأحاديث الواردة في ذلك
________________________
(١) راجع ج ١٠٤ ففيه كثير من هذه التصحيفات ، ميزنا مواضعها بعلامة صورة النجم .
(٢) كتاب السماء
والعالم وان كان في عداد غير الفروع ، لكنه لما كان آخر هذا الكتاب أبواب الاطعمة والاشربة ومايحل وما لا يحل ، جعله في عداد الفروع وعامل معه
معاملتها ، وقد يمكن أن يكون هدفه من ذلك رفع الاتهام ، حيث كان عنوان الكتاب : « السماءِ والعالم » بديعاً يأخذ بالاسماع والعيون ، ولعل في المخالفين من يناقش
في وجود تلك الاحاديث المتكثرة الباحثة عن شئون السماء والعالم بهذا الاستيعاب ، فيراجع