حفّل تلكم الدروس الراقية بما أفادت يمناه من الغرر والدرر في تحقيق المعاني وتوضيح مغازٍ ودلالات ، وحلّ مشكل الحديث ، والإعراب عمّا هو المراد منه ، وبما جادت غريزته السليمة عند بيان نوادر الألفاظ ، وغرائب اللّغات ، وتعارض الآثار ، و تشاكس المعاني .
أتى قدِّس سرّه في غضون مجلّدات هذا السِّفر القيّم الضخمة أبواباً واسعة النطاق كنطاق الجوزاء في شتّى فنون الإسلام وعلومه ، ولم يدع رحمه الله بحراً إلّا خاضه ، ولا غمرةً إلّا اقتحمها ، ولا وادياً إلّا سلكه ، ولا حديثاً إلّا أفاض فيه ، ولافنّاً إلّا ولجه ، ولا علماً إلّا بحث عنه وأبلجه ، حتّى جاء كلّ مجلّد في بابه من العلم كتاباً حافلاً في موضوعه ، جامعاً شتاته ، حاوياً نوادره وشوارده ، جمّع الفرائد وألّف الفوائد ، كلُّ ذلك بنسق بديع ، وسلك منضّد ، وترتيب يسهل للباحث بذلك الوقوف على فصوله .
والباحث مهما سبح في أجواء هذا البحر الطامي ، وغامس في غمراته ، واغتمس في أمواجه يرى أمراً إمراً ، ويحوله سيبه الفيّاض ، غير آسن مائه ، أصفى من المزن ، و أطيب من المسك .
برز هذا الكتاب الكريم إلى الملأ العلميّ بحلّة زاهية ، وروعة وجمال ، ساطعةً أنواره ، زاهرةً أنواره (١) ، ناصعةً حقائقه ، رقراقةً دقائقه ، يجمع كلٌّ من أجزائه بين دفّتيه من العلم الناجع ما لا غنى عنه لأيّ باحث متضلّع ، ففيه ضالّة الفقيه ، وطلبة المفسّر ، وبُلغة المحدِّث ، وبُغية العارف المتألّه ، ومقصد المؤرّخ ، ومنية المفيد و المستفيد ، وغاية الأديب الأريب ، وغرض النطاسيّ المحنّك ، ونهاية القول إنّه مأرب المجتمع العلميّ من اُمّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، فالكتاب تقصر عن استكناه وصفه جمل الثناء و الإطراء ، وينحصر دون إدراك عظمته البيان ، ومافاه به الأشدق الذِلق الطِلق فهو دون حقّه وحقيقته .
قد استصغر شيخ الإسلام المجلسيّ ما كابده وعاناه وقاساه في تنسيق كتابه هذا ، واستسهل ما تحمّل من المشاقّ في السعي وراء غايته المتوخّاة وتأليفه الباهظ ، كلُّ
________________________
(١) النور بالفتح : الزهر . ج : انوار .