فرق في كون الملك الحكيم مصدقا لمدعي إرساله له بين أن يقول صدق علي أو يفعل ما ادعى كونه مصدقا له به مما لم تجر عادة الملك بفعله.
فإن كان ما ذكرناه مشاهدا ففرض المشاهد له النظر فيه لكونه خائفا من فوت مصالح وتعلق مفاسد وإن كان نائيا عن حدوث المعجز أو موجودا بعد تقضيه (١) ـ فلا بد مع تكليف ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نصب دلالة على صدقه وصحة ما أتى به لقبح التكليف من دونهما.
وذلك يكون بأحد شيئين إما قول من يعلم صدقه وإن كان واحدا أو تواتر نقل لا يتقدر في ناقليه الكذب بتواطؤ وافتعال أو اتفاق لبلوغهم حدا في الكثرة وتنائي الديار والأغراض أو وقوع نقلهم على صفة يعلم الناظر فيها تعذر الكذب في مخبرهم من أحد الوجوه بقضية العادة وإن قلوا وإن كانت هذه الطبقة تنقل عن غيرها وجب ثبوت هذه الصفات في من ينقل عنه ثم كذا حتى يتصل النقل بجماعة شاهدت المعجز لا يجوز على مثلها الكذب.
وذلك لا يتم إلا بتعين الأزمنة للناظر في النقل وتميز الناقلين ذوي الصفة المخصوصة في كل زمان لأن الجهل بأعيان الأزمنة يقتضي الجهل بأهلها وتعين الأزمنة مع الجهل بأعيان الناقلين الموصوفين يقتضي تجويز انقطاع النقل وتجويز افتعاله واستناده إلى معتقدين دون الناقلين فمتى اختل شرط مما ذكرناه ارتفع الأمان من كذب الخبر المنقول ومتى تكاملت الشروط حصلت الثقة بالمنقول.
وهذه الصفات متكاملة في نبينا صلوات الله عليه ومن عداه من الأنبياء عليهم السلام فطريق العلم بنبوتهم إخباره عليه السلام لكونهم غير مشاهدين ولا تواتر بمعجز أحد منهم لافتقار التواتر إلى الشروط المعلوم ضرورة تعذرها
__________________
(١) في النسخة : « ان يقضيه ».