لأنه عليه السلام لو عورض مع ظهور كلمة المعارض وضعفه عليه السلام لكانت المعارضة أظهر من القرآن وما وجب كونه كذلك لا يجوز إستاره فيما بعد على مجرى العادات.
ولأنه لو عورض لكانت المعارضة هي الحجة والقرآن هو الشبهة وذلك يقتضي ظهورها لتكون للمكلف طريق إلى النظر يفرق ما بين الحق والباطل.
وليس لأحد أن يقول إنما لم يعارضوا لأنهم ظنوا أن الحرب أحسم.
لأن الحرب لم تكن إلا بعد مضي الزمان الطويل الذي تصح في بعضه المعارضة لا (١) مشقة ولا خطر وفيها الحجة والحرب خطر بالأنفس والأموال ولا حجة فيها والعاقل لا يعدل عن الحجة مع سهولتها إلى ما لا حجة فيه مع كونه خطرا إلا للعجز عن الحجة ولهذا لو رأينا متحديا ذوي صناعة بشيء منها ومفاخرا لهم به ومدعيا التقدم عليه فيها ثم تحداهم به فعدلوا عن معارضته إلى شتمه وضربه لم تدخل علينا شبهة في عجزهم عما تحداهم ولا ريب في عنادهم وهذه حال القوم المتحدين بالقرآن بلا قبح.
وببعض هذا يسقط شبهة من يقول إنه عليه السلام شغلهم بالحرب عن معارضته لأن الحرب لم تكن إلا بعد مضي أزمنة يصح في بعضها وقوع المقدور الذي صارف عنه مع خلوص الدواعي إليه ولأن الحرب لا تمنع من الكلام ولهذا اقتربت (٢) كذا بالنظم والنثر ولم ينقص رتبة ما قالوه من ذلك في زمنها في الفصاحة عما قالوه في غيرها على أن الحرب لم تستمر وإنما كانت أحيانا نادرة في مدة البعثة ومختصة في حالها بقوم من الفصحاء دون آخرين.
ومن وجوه إعجاز القرآن قوله تعالى ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
__________________
(١) في النسخة : « لا ».
(٢) أي : الحرب ، وفي النسخة : « اقتربت ».