يقتضيه.
أما عائشة ، فالمعلوم من حالها عداوة عثمان والمجاهرة بالنكير عليه والتأليب إلى أن أحصر ، وخروجها إلى مكّة ، بعد الظن القويّ بهلاكه ، مؤلبة عليه ، وذاكرة إحداثه في الاسلام ، ومخالفته سيرة المتقدّمين عليه في محافل مكّة ، وكاتبة به إلى البلاد ، إلى أن بلغها قتله والإرجاف ببيعة طلحة ، فأظهرت من السرور بالأمرين والذمّ لعثمان والمدح لطلحة ما أجمع عليه الناقلون ، فقد ذكرنا طرفا من ذلك أجمع ، وأعجلت الرحلة مغتبطة بالحالين.
إلى أن صحّ لها في الطريق ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام ، وبيعة الناس له لخلات ، فعادت ناكصة على عقبها ، واجمة من ولايته ، عظيمة الوجد لخلافته ، مظهرة التوجّع لعثمان وما جرى عليه ، مشيدة لقتله مظلوما ، ناشدة دمه في المحافل ، مولبة على علي عليهالسلام ، معلنة بأنّه قتل عثمان وشيعته مظلوما.
حتّى اجتمع لها أولياء عثمان ، ومبغضوا علي عليهالسلام ، ومكيدوا الاسلام وأغرار قريش.
وبلغ ذلك طلحة والزبير ، فوافق شحنا (١) في صدورهما ، فاستأذنا عليّا عليهالسلام في العمرة ، عزما منهما على نكث بيعته ، ورغبة في اللحوق بعائشة ، تأميلا لبلوغ الرئاسة الفانية من جهته ، وطمعا في الدنيا المؤيس منها لديه ، فخوّفهما عليهالسلام الغدر والنكث ، فجدّدا عهدا ثانيا ، فأذن لهما.
فلمّا وصلا مكّة ناشدا الناس دم عثمان ، وأنّ عليا دسّ عليه حتّى قتل ، وآوى قتلته واتخذهم بطانة ، مع ما نعلم من حالهما في عثمان وحصره ، والمشاركة في قتله ، وبرء أمير المؤمنين عليهالسلام من ذلك ، ولزومه منزله حتّى قتل.
فاجتمع إليهم القوم الّذين أجابوا عائشة وأمثالهم من الطمّاع وأجلاف الأعراب ، فمضوا جميعا إلى البصرة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام.
__________________
(١) في النسخة : « سحنا ».