فلمّا انتهوا إليها دعوا الناس إلى خلع علي عليهالسلام وبيعتهما وعائشة ، فأجابهم من لا بصيرة له أو من يرغب في الفتنة ، وامتنع حكيم بن جبلّة العبدي في مائتين من صلحاء قومه ، فقتلوه وجماعته ، وغدروا بعثمان بن حنيف ـ وقتلوا السابحة ـ (١) وأرادوا قتله ، فخافوا أخاه سهلا على قومهم بالمدينة ، فنكلوا به ، وفتحوا بيت المال بها ، فأخذوا منه ما شاءوا.
واجتمع إليهم أطراف الناس ، وقوي أمرهم وعظمت فتنتهم.
فلمّا بلغ ذلك عليّا عليهالسلام ، كانت عمّاله وأمراؤه بحال القوم وإفسادهم في البلاد (٢) ، فسار في المهاجرين والأنصار وذوي السوابق وأولي البصائر ، ليتلافى فارطهم وشغب صدعهم في الاسلام وبريق لمعهم (٣) في الدين.
فلمّا انتهى إليهم دعاهم إلى الله تعالى ، وإلى كتابه ، وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، والدخول في الجماعة ، وخوّفهم الفتنة والفرقة.
فأبوا إلاّ القتال ، أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاءوا ، أو يسلّم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم فيهم.
فسألهم ذكر حدث يوجب خلعه ، أو تقصير يمنع من إمامته ، فلم يجيبوه ، فكرّر الأعذار ، وبالغ في النصيحة ، والدعوة إلى كتاب الله والسنة ، والتخويف من الفتنة والفرقة ، على الانفراد بكلّ منهم بنفسه وبرسله ، والاجتماع.
ولا جواب إلاّ قولهم مع الخوف شدّة المطامع ، وسمعنا أنّ هاهنا دنيا جئنا بطلبها ، وظنّ ابن أبي طالب أنّ الأمر قد استوسق له ، وأنّه لا منازع له ، ونحو هذا الكلام.
فكرّر التذكار والوعظ ، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغيانا وإصرارا ، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء ، حتّى بدءوه بالحرب ، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه وهو
__________________
(١) كذا.
(٢) كذا في النسخة ، والظاهر وجود سقط يحتمل : « على علم ».
(٣) في النسخة : « معهم ».