قربة لله تعالى ، فليدلّوا على كون القوم كذلك ليتوجّه الرضوان إليهم ، ولن يجدوه ، بل الموجود ضلالهم وخروج أفعالهم من قبل الطاعات بما وضح برهانه سالفا.
وثانيها : أنّ الرضوان مشترط بالموافاة ، ولم يواف القوم بما سبقوا إليه ، لردّهم أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله في وصيته ، وما أتوه إلى أهله بما بيناه.
وثالثها : أنّ وقوع السبق موقع القربة لا يمنع من عصيان في المستقبل ، إمّا فسق على مذاهب الكلّ أو كفر على مذاهب الخصوم ، وإذا صحّ ذلك جاز تقدير وقوع سبقهم موقعه ، وإن عصوا عصوا من بعده ، كوقوع ذلك من طلحة والزبير وعمرو بن العاص وأمثالهم من السابقين والتابعين ، وقطعنا عليهم به ، لما أتوه إلى أهل بيت نبيهم عليهمالسلام من بعده ، فليستنفذ الخصم لمنعنا من ذلك جهده إن استطاعه ، وإلاّ فالحجّة لازمة له والآية خطاب لغيرهم ، وهم الذين لم يتدينوا بجحد النص من السابقين والتابعين ، وهم كثير معيّن وغير معيّن.
ومن ذلك : قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) (١).
قالوا : وهذه صفة المذمومين عندكم الممدوحين في الآية.
والجواب : أنّ الخطاب في الآية متوجّه إلى من أنفق وقاتل قبل الفتح من المؤمنين عند الله تعالى متقرّبا بهما للوجه الّذي شرّعا ، فليدلّوا على تكامل هذه الصفات للقوم ليسلم لهم المقصود ، فان يتعرضوا لذلك يختص الكلام به وسقط تعلقهم بالآية ، وإن لا يفعلوا فلا يقع لهم فيها.
وكذلك القول في جميع ما مضى من الآيات ويأتي ، فليتأمّل لتقع المضايقة فيه.
على أنّا نتبرّع ببيان تعرّي القوم من صفات المذكورين في الآية.
أمّا الإيمان ـ الّذي لا تصحّ قربة من دونه ـ فقد دللنا على تعرّيهم منه بما لا يختل على متأمّل ، فمنع من توجّه الخطاب إليهم.
__________________
(١) الحديد ٥٧ : ١٠.