كانت قد تجذّرت في تلك الأوساط ؛ ليعلمهم أن لا فضل لأحدٍ أو لقبيلةٍ إلاَّ بالتقوىٰ ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١).
ولا شكّ أنّ النبي قد بذل الغالي والنفيس في هذا الطريق ، فأدّىٰ الرسالة وصدع بما أمر وبلّغ ما اُنزل إليه من ربه ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ المُبِينُ ) (٢) ، ولكن هل امتثل البشر تلك الأوامر بصورة كاملةٍ ليقضىٰ على العصبيات تماماً ؟ الحقيقة إنّ محاولات النبيّ الأطهر صلىاللهعليهوآله استطاعت القضاء على ظاهرة الحروب وإراقة الدماء بين القبائل ، ولكنّ المنافسات القبلية بقيت ، فلم يكن بالإمكان إزالتها آنذاك ، بل ربّما لم تكن المصلحة في القضاء عليها بشكلٍ كامل.
إنّ عصبية القوم والقبيلة لها قصة تطول في الواقع الجاهلي وليس نسيانها بالأمر الهيّن ، وهي ظاهرة لا تزال تعشّش في نفوس البشرية في الميول القومية والقبلية والحزبية ، ولن تنفكَّ عن الإنسان حتى الموت.
وليس هذا ممّا يعاب عليه النبي صلىاللهعليهوآله ، فهو قد بلّغ الرسالة على أحسن ما يرىٰ ، ويبقىٰ الإنسان وموقفه ( وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٣).
__________________
(١) الحجرات : ١٣.
(٢) النور : ٥٤ والعنكبوت : ١٨.
(٣) الكهف : ٢٩.