فقام بشير بن سعد أو النعمان بن بشير فقال : يا معشر الأنصار ، إنّا والله لئن كنّا أولي فضيلةٍ في جهاد المشركين ، وسابقة في هذا الدّين ما أردنا به إلاّ رضا ربنا وطاعة نبينا ، والكدح لأنفسنا ، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضاً ، فإنّ الله وليّ المنّة علينا بذلك ، ألا إنَّ محمداً صلىاللهعليهوآله من قريش ، وقومه أحقّ به وأولى ، وأيمُ اللهِ لا يراني الله اُنازعهم هذا الأمر أبداً ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم !
فقال أبو بكر : هذا عمر ، وهذا أبو عبيدة ، فأيّهما شئتم فبايعوا ، فقالا : لا والله لا نتولّى هذا الأمر عليك ، فإنّك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار ، وخليفة رسول الله على الصلاة ؛ والصلاة أفضل دين المسلمين ، فمن ذا ينبغي له أن يتقدّمك أو يتولّىٰ هذا الأمر عليك ! أبسط يدك نبايعك ، فلمّا ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحُباب بن المنذر : يا بشير بن سعد ، عقّتك عقاق (١) ، ما أحوجك إلى ما صنعت ! أنفست على ابن عمّك الإمارة ؟! فقال : لا والله ، ولكنّي كرهت أن اُنازع قوماً حقّاً جعله الله لهم.
ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، قال بعضهم لبعض ، وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرّةً
__________________
(١) سعد بن عبادة رئيس قبيلة الخزرج وابن عم بشير بن سعد.