بعض الروايات (١) من تأخير النبي إبلاغ الوحي لا يعني تقصيره في إبلاغ ما أمره الله به ، وكما يقول الشيخ المفيد حول هذا الأمر أيضاً : كان قد تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له ، فأخّره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه ، وعندما وصلوا غدير خمٍّ نزلت آية التبليغ (٢).
إنّ قضية نزول الوحي على النبي سابقاً وإيكال إبلاغ ذلك إلى وقتٍ مناسبٍ يمكن فهمها بوضوحٍ من آية التبليغ نفسها ؛ وذلك لأن الآية تقول : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) ثم تهدّد ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (٣) , إذن لابد من نزول شيء على النبي يتطلب أن تقول الآية : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ). ويتراءَىٰ من التهديد في الآية أنّ النبي أجّل ذلك إلىٰ وقتٍ آخر لأسبابٍ ودوافع ، وتقول الآية أيضاً : ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
إنّ التدقيق في الآية وطريقة النبي في إبلاغ الوحي يدعوان إلى هذا السؤال : ماذا كان يجري في المجتمع الإسلامي آنذاك ؟ وما هو الوضع الحاكم بين المسلمين ، والذي كان يفرض تأخير إبلاغ الوحي من قبل النبي ؟
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٦٠ ، بحار الأنوار ٣٧ : ١٦٥ ، جامع الأخبار : ١٠.
(٢) الإرشاد ١ : ١٧٥.
(٣) المائدة : ٦٧.