إنّ مجموع هذه الروايات لم يرد فيها ذكرُ شخصٍ آخر غير عمر ، فلاشك إذن أنّ عمر هو صاحب تلك الكلمة المعروفة ، ولكنّ بعض رواة أهل السنّة لم يرغب بالتصريح بقائلها ، وحاول بعض علمائهم تقليل قبح كلام عمر ، قال : أهَجَرَ ، أي اختلف كلامه بسبب المرض (١).
ولكنّه توجيه لا تساعد عليه اللغة ، وقد نقل مثل ذلك ابن منظور في لسان العرب ، حيث قال : وفي الحديث : قالوا ما شأنه أهجر ؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام ، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ؟ قال ابن منظور : هذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل إخباراً ، فيكون إمّا من الفحش أو الهذيان ، قال : والقائل كان عمر ولا يظنّ به ذلك (٢).
ولو قبلنا مثل هذا التوجيه فهو يعني أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لا يعي ما يقول لما ألمّ به من المرض ، فلا قيمة لكلامه وهو على هذه الحال. فهل أن نسبة هذا الكلام لمن يقول القرآن بحقه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ ) (٣) أقل قبحاً ممّا ذكر ؟ ومهما كان معنىٰ كلام عمر فلقد الم النبي صلىاللهعليهوآله كثيراً ، وكما جاء في بعض رويات أهل السنّة فغمّ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) تاريخ الطبري ٣ : ١٩٣ ( الهامش ) ، والسقيفة وفدك : ٧٣ ( ضمن رواية ).
(٢) لسان العرب ١٥ : ٣٤ ( مادة هجر ).
(٣) النجم : ٣.