ثم قال : يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ، ولا يُردّ عليهم ، ألم تعلموا أنّ لله عزوجل عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم ، وإنّهم لهم الفصحاء النطقاء والنبلاء الأولياء والعالمون بالله عزوجل وبآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم وكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاماً لله عزوجل وإعزازاً وإجلالاً ، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عزوجل بالأعمال الزكيّة ، يعدّون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنّهم لأنزاه أبرار ، ومع المقصّرين والمفرّطين ، وإنّهم لأكياس أقوياء ، ولكنهم لا يرضون لله عزوجل بالقليل ، ولا يستكثرون له الكثير ، ولا يُدلّون عليه بالأعمال ، متى ما لقيتهم فهم مهتمون مخوَّفون مروَّعون خائفون مشفقون وجلون ، فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين. إعلموا أنّ أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه ، وأنّ أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه.
قال وهب : ثم انصرف عنهم وتركهم ، فبلغ ابن عباس أنّهم تفرّقوا عن مجلسهم ذلك ، ثم لم يعودوا إليه حتى هلك ابن عباس ) (١).
عن طاووس ، قال :
( كنت عند ابن عباس رضياللهعنه ومعنا رجل من القدرية ، فقلت : إنّ أناساً يقولون لا قدر.
قال : أوفي القوم أحد منهم؟
قلت : لو كان ما كنت تصنع به؟
____________
١ ـ المعرفة والتأريخ ١ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥.