الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بناء على اختصاصه بما هو معروف ومنكر في نظر الفاعل لا في نظر الأمر حتى يندرج فيه مسألة إرشاد الجاهل ، على ما صرح به بعض أجلاء المتأخرين ، وإلا فيكون دائرة الأمر بالمعروف أوسع من الإلزام فيما يقتضيه التكليف وأما هو فأخص مطلقا كما لا يخفى.
فظهر أن المقصود بالبحث فيما نحن فيه هو إلزام الشخص في غير ما يقتضيه تكليفه ، مثل أن يكون الشخص معتقدا لبطلان مقالة الشخص فيحكم عليه بخلاف المعتقد وخلاف ما يقتضيه تكليفه ، لان القضاء المبحوث عنه ليس الا ذلك.
وأكثر موارد القضاء من هذا القبيل ، حتى الحكم بالبينة التي يجب على جميع المكلفين ترتيب آثارها مدعيا ومنكرا وغيرهما ، لان العمل بها انما يجب في صورة الشك والجهل ، فإلزام المنكر المعتقد بكذب البينة مثلا إلزام بغير ما يقتضيه تكليفه.
نعم قد يقال : ان الحكم في صورة الشك ـ أي شك من قام عليه البينة مثلا ـ إلزام بحسب التكليف ، لكن يمكن منع كون ذلك من باب القضاء بل من باب الأمر بالمعروف ، نظرا الى أن مجرد قيام البينة في حق الشاك يوجب العمل بمقتضاها من غير ضم حكم الحاكم ، فحكم الحاكم يشبه الأمر بالمعروف.
الا أن يقال : ان الإلزام على وجه الأمر بالمعروف لا يستتبع على ما يترتب على القضاء من الأحكام ، فإرجاع القضاء هنا الى ذلك لا وجه له ، بل الوجه أن القضاء كما يكون بما لا يقتضيه تكليف الملزم عليه كذلك يكون بما يقتضيه تكليفه وأما انه لا بد أن يكون من قبيل الأول فلا.
وهذا يكفي في الفرق بينه وبين الأمر بالمعروف ، فإنه لا يكون إلا في الثاني ، فالقضاء أعم من وجه موردا ، ومرجعه في صورة الاجتماع اجراء حكم الله الكلي في حق المحكوم عليه وإلزام جزئيته عليه. والله العالم. وان كان مرجع