ولا يرد عليه : أن الإجمال في حكم العقل غير معقول ، لأن الإجمال ليس في موضوع حكم العقل ولا في محموله بل في مصاديق الموضوع. نظير استقلاله بقبح تناول المضر ، فإنه لا ينافي شكه في قبح تناول شيء باعتبار الشك في اندراجه تحت مفهوم المضر.
فالذي يقضي به العقل أن يكون شخص قاضيا بين الناس مع عدم ترتب المفسدة على قضاوته ، ولما لم يتشخص عنده هذا الشخص ولا يدرك مصاديقه فتعيينه موكول الى الشارع العالم بخفيات الأمور ، فتعيين الشرع شخصا للقضاء تشخيص لموضوع حكم العقل ، كما أن حكم الشرع بأصل القضاء تأكيد لحكم العقل ، فان تعين من قبل الشارع القاضي فهو المتبع ، وإلا فإن كان في المكلفين شخص متفق عليه وقدر متيقن وجب الاقتصار عليه ، لأن الضرورة تتقدر بقدرها ، والأوجب على المكلفين جميعا وجوبا عقليا كفائيا ، لاستحالة التعيين المستلزم للترجيح بلا مرجح.
وهذا أصل عقلي مطرد في جميع الأمور الحسبية القاضي بإقامتها العقل المستقل ، كاغاثة الملهوف ومحافظة النفوس والأموال الضائعة ونحوها من الأمور الحسبية ، فإن الضابط فيها ما ذكرنا من اتباع التعيين الشرعي للمقيم بها ، ومع عدم التعيين الشرعي فالاقتصار على الشخص المتفق عليه والقدر المتيقن ، ومع التساوي فالوجوب الكفائي.
إذا تحقق ذلك فاعلم : أن حكم النزاع في الموضوعات غير حكمه في الحكم الشرعي ، فهنا مسألتان :
( الأولى ) الشبهات الموضوعية
فالذي يقتضيه النظر أن في حال الاضطرار ـ بمعنى تعذر الرجوع والرفع الى المجتهد أو تعسره تعسر ألا يرضى الشارع بمثله ـ لا يشترط في القاضي الاجتهاد ،