فيجوز للمقلد حينئذ بل يجب وجوبا عقليا ناشئا من استقلال العقل بمقدماته ولو بملاحظة حال الشارع :
« أحدها » وجوب حسم مادة النزاع والدعوى وعدم جواز الحكم ببقاء الدعاوي غير مفصولة في المنازعات التي هي مجاري البينات والايمان. وهو واضح والإلزام اختلال النظام وتضييع الحقوق والأموال المعلوم من الشرع وجوب حفظها كالنفوس حسبة ، بل ربما يؤدي الى ضياع النفوس المحترمة جدا.
« وثانيها » ـ عدم جواز الرجوع الى سلطان البلد وتبعته ، لكون الترافع إلى الجائرين رجوعا الى الجبت والطاغوت المحرم بنص الكتاب العزيز والسنة والإجماع المحقق.
فان قلت : حرمة المراجعة إليهم حال الاضطرار غير مسلمة ، لان الضرورات تبيح المحظورات ، وأي ضرورة أعظم من محافظة النظام والحقوق والنفوس ، فلا يزاحمه شيء من المحرمات.
قلت : المقدمة المحرمة يجوز ارتكابها لبعض الواجبات المهملة إذا انحصرت المقدمات فيها ، وأما مع عدم الانحصار ـ كما فيما نحن فيه لا مكان وجوب الحفظ المشار اليه بالمرافعة الى غير الجبت والطاغوت ـ فهي باقية على حرمتها.
فان قلت : ليس في المقام مقدمة مسلمة غيره الا بعد معلومية شرعية قضاء غير المجتهد ، وهو أول الكلام.
قلنا : كونه أول الكلام لا يلحقه بالرجوع الى الجبت والطاغوت في التحريم لأن غاية ما ثبت من الأدلة عدم شرعية قضاء المقلد في حال الاختيار من جهة عدم الدليل لا من جهة حرمته ذاتا كالرجوع الى الجبت. ولو سلم حرمته الذاتية فالقدر المسلم منه حال الاختيار لا مطلقا ، وأما الرجوع الى الطاغوت فحرمته