ثمَّ ان أول من استدل بها على الجواز المحقق القمي في جواب سؤاله على الوجه الذي قررناه في تقريب الاستدلال ، وقد ذكره في طي الاستدلال كلمات لا تخلو عن النظر ، خصوصا ما ذكره في رد الإجماعات تارة بحملها على قضاؤه المقلد على وجه الإطلاق الراجع إلى رئاسة عامة ، وأخرى بأنها إجماعات منقولة لا تكافؤ ظاهر الروايات ، وهو أعلم بما قال. والله العالم.
( الدليل الثالث ) الأدلة الدالة على اعتبار البينة وعمومها للمجتهد والمقلد ، وهي نوعان : أحدهما ما يدل على كونها ميزانا من موازنين القضاء وفصل الخصومة ويشاركها في الحكم اليمين وسائر الموازين. والثاني ما يدل على وجوب العمل بها.
« أما الأول » ـ فكقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان » (١) ، وقوله عليهالسلام « استخراج الحقوق بأربعة » الحديث.
فيرد على الاستدلال بها : أنها وردت في بيان ميزان القضاء واستخراج الحقوق ، وأما تعيين القاضي والمستخرج فموكول الى دليل خارج ، فمصبها مصب الإهمال لا مصب الإطلاق حتى ينتفع عند الشك في صفات القاضي ، ولذا لم يستدل أحد بها على نفي ما شك من صفات القاضي.
وغاية ما يتوهم في وجه الاستدلال بها أنها دلت على أن الحكم على طبق البينة في الموضوعات المشتبهة حكم الله الواقعي ، فيندرج تحت « ما أنزل الله » الذي دل ما تقدم من أدلة الحكم على وجوب الحكم به عموما ، فكما أن المجتهد له أن يحكم بين التخاصمين بمقتضى البينة أو اليمين فكذلك المقلد ، لكون الحكم حكما بما أنزل الله تعالى.
وفيه : ان المعلوم من أدلتها كون الحكم على طبق البينة في الجملة من
__________________
(١) الوسائل ج ١٨ ب ٢ من أبواب كيفية الحكم ح ١.