على ما قرّرناه إجماع العلماء أيضا في ظواهر الكتاب والسنّة ، فإنّ الاصول المذكورة كلّها من الاصول المجمع عليها بقول مطلق.
ويكشف عنه عدّ بعض الأخباريّين (١) كالاصوليّين (٢) استصحاب حكم العامّ والمطلق إلى أن يثبت المخصّص والمقيّد من الاستصحابات المجمع عليها ، بناء على ما حقّق من أنّ ذلك ليس من الاستصحاب المصطلح ، بل المراد به لزوم التمسّك بعموم العامّ وإطلاق المطلق ، وعدم رفع اليد عنهما حتّى يعلم المخصّص والمقيّد وإن لم يحصل ظنّ ، أو حصل ظنّ غير معتبر في شخص المورد.
ولا ينافيه ما قد يظهر منهم من التوقّف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور ، أو طرحه بمخالفة الشهرة الفتوائيّة ، مع اعترافهم بعدم حجّيّة الشهرة ، فإنّ ذلك ليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر من حيث العموم أو الإطلاق ، بل من جهة أنّها تزاحم الخبر من حيث سنده ، إمّا لما قيل من أنّ الدليل الدالّ على حجّيّة الخبر من حيث السند لا يشمل الخبر المخالف للمشهور ، أو لأنّ الشهرة على الخلاف تكشف عن خلل في صدوره ، أو جهة صدور فيتوهّن بها فلا يحصل الوثوق والاطمئنان بصدوره ، أو كون صدوره على وجه بيان الواقع لا على جهة التقيّة ، ولذا لا يتأمّلون في العمل بالظواهر القطعيّة صدورا على جهة بيان الواقع ، كالكتاب والسنّة النبويّة المتواترة إذا خالفها الشهرة الفتوائيّة.
نعم لو اقترن الظاهر بحال أو مقال صالح للقرينيّة بحيث أوجب إجمالا فيه سقط العمل به في محلّ الإجمال لا مطلقا ، ومن ذلك المجاز المشهور لأجل الشهرة الموجبة لإجماله بالنسبة إلى الحقيقة الموجب للتوقّف كما عليه المشهور ، والأمر الوارد عقيب يقين الحظر أو ظنّه أو توهّمه الموجب لإجماله بالنسبة إلى الوجوب ، والعامّ المتعقّب بضمير يختصّ ببعض أفراده ، والعمومات المتعقّبة بالاستثناء الصالح للرجوع إلى الجميع.
ولا يذهب عليك أنّ ما بيناه بعبارة الاستدراك ليس قولا بالتفصيل في العمل بالظواهر ، إذ لا ظهور في الموارد المذكورة ونظائرها حتّى يعمل به ، فخروجها عن العمل بالظواهر موضوعي لا حكمي ، ولذا لو كان ما يصلح لكونه قرينة كلاما مستقّلا منفصلا عن الظاهر لا يعتنى به في منع العمل بالظاهر ، لعدم استتباعه الإجمال فيه عند العرف ، وذلك كما لو قال المولى لعبده : « أكرم العلماء » ، ثمّ سمع العبد قول : « لا تكرم زيدا العالم » ، واشتبه قائله بين
__________________
(١) هو المحدّث البحراني في الدرر النجفيّة : ٣٤.
(٢) انظر تمهيد القواعد : ٢٧١ والقواعد والفوائد ١ : ١٣٣.