هما في متفاهم العرف ظاهرتان ـ كالصريح ـ في بيان حكم للشهرة في الرواية ، فإنّ السؤال الوارد فيهما سؤال عن مرجّح الخبرين المتعارضين ، وقد جعل عليهالسلام في الجواب الشهرة من جملة المرجّحات ، من غير نظر في ذلك إلى الشهرة في الفتوى أصلا.
ألا ترى أنّه لو سئل أحد وقيل له : « أيّ المسجدين أحبّ إليك »؟ فإن قال : « ما كان اجتماع الناس فيه أكثر » فهو لا يدلّ على أنّه يحبّ كلّ مكان يكون اجتماع الناس فيه أكثر ، بيتا كان أو سوقا أو غيرهما ، مع أنّ في نفس الروايتين باعتبار السابق واللاحق ما يكون قرينة على اختصاص الخطاب سؤالا وجوابا بشهرة الرواية ، ومن ذلك قوله في الاولى : « أنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم » (١) وفي الثانية : « وإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم » (٢) فإنّ الشهرة في الشهرة في الفتوى لا يلزمها أن يقابلها فتوى اخرى بالخلاف ، كما عرفت سابقا عن كونها مشهورة أيضا ، مع أنّ حصول الشهرة في طرفي النقيض في المسألة الشخصيّة محال ، بخلاف حصولها في الخبرين المتعارضين.
وتوجيهه : بالشهرة عند القدماء والشهرة عند المتأخّرين ، يدفعه : ظهور المعيّة في كون مفروض السائل مشهوريّة المتقابلين في زمان واحد ، ولا يتوجّه إلى ما ذكرناه تخصيص العامّ بالمورد ، لأنّه تحصيل للعامّ في المورد ، ومعناه الأخذ بعمومه بقدر المورد ، فالسؤال والجواب متطابقان في الاختصاص بالشهرة في الرواية ، فما تقدّم في بيان وجه الاستدلال من دعوى عموم الموصول ، أو إناطة الحكم بالاشتهار مطلقا ، بعيد عن السياق سؤالا وجوابا.
ومن غرائب ما قيل في المقام هو : أنّ حجّيّة الشهرة ممّا يستلزم وجوده عدمه وهو محال ، فيكون الحجّيّة محالا.
أمّا الملازمة : فلأنّ المشهور بين العلماء الأعلام عدم حجّيّة الشهرة ، فهذه أيضا شهرة ، وحجّيّتها من حيث كونها من أفراد الشهرة المطلقة تستلزم عدم حجّيّة الشهرة المطلقة.
وفيه أوّلا : أنّ الّذي يقول بحجّيّة الشهرة يخصّ دعواه بالشهرة في المسائل الفرعيّة ، فهو لا يقول بحجّية الشهرة في المسألة الاصوليّة ، حتّى يتوجّه إليه المحذور.
وثانيا : أنّ مستند القول بعدم حجّيّة الشهرة هو الأصل وهو دليل تعليقي ، فإذا ثبت الحجّيّة بدليل كما يدّعيه القائل بها يرتفع الأصل المذكور ، ولازمه سقوط القول المشهور في المسألة الاصوليّة ، ورجوعه إلى القول بالحجّيّة ، فلا شهرة حينئذ في جانب عدم
__________________
(١) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ / ٢.
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ / ١ ، ب ٩ من أبواب صفات القاضي.