وفي ثانيتها : قوله عليهالسلام : ـ بعد ما فرض السائل تساوي الراويين في العدالة ـ « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه وإنّما الامور ثلاثة ـ إلى أن قال السائل ـ قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم (١) ... إلى آخره.
بناء على أنّ المراد بالمجمع عليه في الموضعين هو المشهور ، بقرينة إطلاق غير المشهور على ما يقابله في قوله عليهالسلام : « ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور » ، والتعليل يدلّ على أنّ المناط هو الشهرة وإن كانت في الفتوى ، ولا خفاء في ضعفهما.
أمّا ضعف الأوّل فتارة : لمنع الحكم في الأصل ، فإنّ حجّيّة خبر العادل ليست من حيث الوصف أعني الظنّ ، بل من حيث الذات أعني عنوان الخبريّة ، وقد يعبّر عنها بالحجّيّة من باب السببّية ، وقضيّة الدليل هو الحجّيّة من حيث إفادة الظنّ لا من حيث السببّية كما في البيّنة.
واخرى : منع الحكم في الفرع بإبطال دعوى الأولويّة ، فإنّ هذه الأولويّة إمّا أن يراد بها ما هو نظير الأولويّة المعتبرة في القياس بطريق أولى ، أو ما هو نظير الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة.
وأيّا مّا كان فهي لا تنطبق على شيء منهما.
أمّا الأوّل : فلأنّ المعتبر في أولويّة القياس بطريق أولى كونها قطعيّة ، ولا قطع هنا بل غايته كونها ظنّيّة.
وأمّا الثاني : فلأنّ المعتبر في الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة كونها عرفيّة ، منساقة في متفاهم العرف من ظاهر اللفظ الوارد في بيان الحكم المنطوقي ، كما في قوله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ )(٢) وهي فيما نحن فيه ليست كذلك ، بل هي أولويّة اعتباريّة بشهادة الاستناد في إثباتها إلى أقوائيّة ظنّ الشهرة من ظنّ الخبر ، فالأولويّة المدّعاة اعتباريّة ظنّيّة ، ولا دليل على حجّيّتها من باب الظنّ الخاصّ حتّى يتمّ الاستدلال بها على حجّيّة الشهرة من باب الظنّ الخاصّ ، ولو استند في حجّيّتها إلى دليل الانسداد لزم من الاستناد إليها إثبات الظنّ الخاصّ بالظنّ المطلق ، وهذا كما ترى.
هذا مع ما قيل من أنّ الأولويّة الظنّيّة أوهن بمراتب من الشهرة ، فكيف يتمسّك بها في حجّيّتها؟
وأمّا ضعف الوجه الثاني : فلوضوح منع عموم الروايتين للشهرة في الفتوى أيضا ، بل
__________________
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ / ١ ، الباب ٩ من ابواب صفات القاضي.
(٣) سورة الإسراء : ٢٣.