يؤذي أحد ممّن أخبر عنه بسوء.
ومنها : ما عن تفسير العياشيّ عن الصادق عليهالسلام : من « أنّه يصدّق المؤمنين لأنّه كان رؤوفا رحيما بالمؤمنين » ، فإنّ تعليل التصديق بالرأفة والرحمة على كافّة المؤمنين لا يقتضي إلاّ إرادة إظهار القبول والصدق لئلاّ يخجل أو ينكسر قلبه ، بل ينافي قبول قول أحد على الآخر بحيث يرتّب عليه آثاره ، وإن أنكر المقول عنه وقوعه ، إذ مع الإنكار لابدّ من تكذيب أحدهما فكيف يكون رؤوفا رحيما بهما معا.
ومنها : ما رواه القمّي على ما نقل عنه في سبب نزول الآية ، من « أنّه نمّ منافق على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره الله ذلك ، فأحضره النبيّ وسأله فحلف أنّه لم يكن شيء ممّا ينمّ عليه ، فقبل منه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأخذ الرجل بعد ذلك يطعن على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول : إنّه يقبل كلّما يسمع ، أخبره الله أنّي أنمّ إليه وأنقل أخباره فقبل ، فأخبرته أنّي لم أفعل فقبل ، فردّه الله تعالى بقوله لنبيّه : ( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ )(١) » (٢) ومن المعلوم أنّ تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا ، وإلاّ لزم تكذيبه تعالى ، وهذا التعبير يقضي بكون المراد بالمؤمنين المقرون بالإيمان المظهرون له من غير اعتقاد ، فيكون الإيمان لهم على حسب إيمانهم.
وبتضاعيف ما بيّناه ظهر أنّ التصديق للمخبر في خبره له معنيان :
أحدهما : ما يرجع إلى نفس المخبر ، وهو مجرّد الحكم عليه بكونه صادقا ، وأنّه ليس بكاذب ، من دون جعل المخبر عنه واقعا ولا ترتيب آثار الواقع عليه ، وهو الّذي يقتضيه حمل فعل المسلم وقوله على الصحيح والأحسن ، فإنّه لا يقتضي أزيد من الحكم عليه بعدم كونه قبيحا ومعصية.
وثانيهما : ما يرجع إلى خبره وهو جعله صدقا والمخبر به واقعا وترتيب جميع الآثار عليه ، ومحلّ البحث من حجّيّة خبر الواحد هو هذا المعنى ، والمستفاد من الآية هو حسن التصديق بالمعنى الأوّل ، فلا تنهض دليلا على الحجّيّة بالمعنى المبحوث عنه.
ثمّ اعلم أنّه على تقدير تسليم نهوض الآيات المذكورة أدلّة على حجّيّة خبر الواحد الغير العلمي ، وتسليم دلالة كلّ واحد على الحجّيّة لابدّ من حمل مطلقاتها على المقيّد منها ، وهو آية النبأ المتضمّنة لاعتبار قيدين أو قيد واحد في ، النبأ فيكون مفادها بعد الحمل حجّيّة خبر العادل المورث للاطمئنان أو الخبر المورث للاطمئنان وإن لم يكن مخبره
__________________
(١) سورة التوبة : ٦١.
(٢) تفسير القمّي ١ : ٣٠٠.