للإجماع المركّب.
ويرد عليه أوّلا : أنّ الاذن في صفة النبيّ عبارة عن سريع التصديق ، بمعنى الإذعان والاعتقاد بكلّ ما يسمع ، لا عمّن يعمل بكلّ ما يسمع تعبّدا وإن لم يفد العلم ، ومدحه صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك من جهة حسن ظنّه بالمؤمنين ، وعدم سوء الظنّ بهم ، وعدم اتهامهم.
وثانيا : منع كون المراد من تصديقه للمؤمنين جعل كلّ [ خبر ] لهم صدقا مطابقا للواقع وترتيب جميع آثار الواقع على المخبر به ، كما هو المراد من حجّيّة خبر الواحد ، للزوم التناقض في كثير من الموارد ، كما لو اخبر مؤمن بشيء وآخر بنقيضه ، وانتفاء الخيريّة في كثير من الآثار كالقتل فيمن أخبر عنه بالارتداد مثلا ، والجلد فيمن أخبر عنه بزنا أو شرب خمر مثلا ، والقطع فيمن أخبر عنه بسرقة ، والتعزير فيمن أخبر عنه بترك واجب كإفطار نهار رمضان ، ونحو ذلك ممّا ليس في قبوله الخبر والعمل به خير ، بل هو نفس التنزيل المراد به إظهار صدق كلّ مخبر من المؤمنين وعدم تكذيبه بأن يقول له في خبره : صدقت ، أو يقول : ما كذبت ، وإن علم بكذبه في الواقع ، وهو الّذي يقال له : « التصديق الصوري والتصديق المخبري » ، بخلاف إيمانه بالله فإنّه عبارة عن الإذعان والاعتقاد ، وجعل كلّ خبر له صدقا مطابقا للواقع.
فلفظ « الإيمان » حيث اضيف إلى المؤمنين يغاير معناه حيث اضيف إليه تعالى ، ويشهد بذلك امور :
منها : تكرير اللفظ.
ومنها : التفكيك بين الموضعين بالتعدية بالباء وباللام ، فإنّ الاولى آية إرادة الإذعان والاعتقاد ، كما في لفظ « التصديق » أو « العلم » حيث عدّا بالباء ، بخلاف الثانية فإنّ الباء للتقوّي يراد به تأكيد الحكم والإسناد ، ولعلّه لإكثاره من تصديق المؤمنين ، فلا يقتضي إذعانا واعتقادا بل غايته إظهار الصدق وعدم التكذيب.
ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ )(١) فإنّه ورد على الذين كانوا يقولون في صفته صلىاللهعليهوآله هو اذن مريدين به أنّه يقبل كلّ خبر سمعه ويجعله صدقا ، وحاصله أنّه ليس باذن بالمعنى الّذي تزعمون ، بل اذن خير لكم ، بأنّه إذا سمع خبرا من الله يقبله وإذا سمع الخبر من كلّ مؤمن يظهر قبوله وصدقه ولا يكذّبه لئلاّ يخجل ، أو ينكسر قلبه من غير أن
__________________
(١) سورة التوبة : ٦١.