أيضا ، وهو المراد من معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة.
وحاصل معناه كون الاولى مؤثّرة في رفع قبح الجهة الظاهرية.
لأنّا نقول : إنّ القبح عبارة عن استحقاق الذمّ فما لم يكن هناك استحقاق مدح يكافؤه لم يعقل ارتفاعه ، والمفروض أنّ الجهة الواقعيّة لم تؤثّر في استحقاق مدح فلا معنى لكونها مؤثّرة في رفع استحقاق الذمّ اللازم من التجرّي ، بل ولئن سلّمنا أنّها أثّرت في استحقاق مدح فلا داعي إلى التزام كونه رافعا للاستحقاق اللازم من التجرّي إلاّ على القول بالإحباط وهو باطل عندنا ، فلا تنافي بين الاستحقاقين حتّى يزاحم أحدهما الآخر ويرفعه ، فيجوز أن يستحقّ الذمّ بتجرّيه والمدح بفعله الواجب الواقعي أو تركه المحرّم الواقعي ـ كما فيمن نظر إلى الأجنبيّة في الصلاة ـ ومرجعه إلى عدم تعارض الجهتين ، إلاّ أن يكون ذلك من جهة لزوم اجتماع المتضادّين في الفعل المتجرّى به باعتبار تأثير التجرّي في حدوث حكم فيه مضادّ لحكمه الواقعي كما عليه مبنى كلامه.
ورابع ما يرد عليه : ما ذكره في مسألة مصادفة التجرّي المعصية الواقعيّة من تداخل عقابيهما ، إذ لو اريد من التداخل أنّهما يؤثّران في استحقاق عقاب واحد كما في تداخل الأغسال ، ففيه : أنّه مناف لاستقلال كلّ منهما في سببيّته لاستحقاق العقاب ، وهذا يقتضي تعدّد العقاب.
وإن اريد به اجتماع العقابين ، ففيه : مع أنّه ليس من التداخل بالمعنى المعروف أنّه خلاف مقتضى الأدلّة الواردة في المعاصي الواقعيّة ، لظهورها القريب من الصراحة في وحدة العقاب المترتّب على كلّ معصية ، فكلّ يترتّب عليه العقاب المقرّر له لا أزيد ، وهذا أيضا من أدلّة بطلان القول بكون التجرّي موجبا للمعصية واستحقاق العقوبة ، فليتدبّر.
فتحقيق المقام : أنّ التجرّي قبيح في الجميع لكن بالمعنى الراجع إلى الفاعل المتجرّي من حيث انكشاف خبث باطنه وسوء سريرته ، فيستحقّ بذلك الذمّ عند العقلاء ، لا بالمعنى الراجع إلى الفعل المتجرّى به.
وهل يترتّب على تجرّيه زيادة على استحقاقه المذمّة أثرا آخرا في الدنيا كالفسق وفي الآخرة كالعقاب؟ على معنى أنّ المتجرّي باعتبار كونه متجرّيا ـ لا باعتبار فعله المتجرّى به ـ يحكم بكونه فاسقا ويعاقب عليه في الآخرة أو لا؟ فيه خلاف ، حيث يظهر من الشهيد في كلام له عن القواعد منع ذلك ، ـ خلافا لبعض العامّة الّذي نسب إليه القول