الواجب في محرّم واقعي لا يقبل منه ، لعدم صلاحيّة الجهة المذكورة ـ وهو حصول فعل الواجب في ضمن التجرّي على الحرام ، أو حصول ترك المحرّم في ضمن التجرّي على الواجب ـ لكونها محسّنة ، ولا مزاحمة للقبيح عن اقتضاء القبح ، فإنّ الجهة المتحقّقة في ضمن القبيح ما لم تتّصف في نفسها بالحسن لم تؤثّر في حسنه ، ولا في منع اقتضاء ذاته لقبحه ولا في رفع قبحه ، ولذا ترى أنّه لو تحقّق في ضمن الكذب الصادر من كاذب جهة نفع ، أو إنجاء نبيّ لضرب من الاتّفاق من دون قصد منه لتلك الجهة ، بل ولا علم منه باشتماله عليها ، لم ينفع في استحقاقه للمدح ولا في منع ذاته عن اقتضاء استحقاقه للذمّ ، وظاهر أنّ حصول فعل الواجب أو ترك المحرّم في ضمن التجرّي جهة لا تتّصف في نفسها بالحسن لوجهين :
أحدهما : أنّ الحسن والقبح إنّما يلحقان الأفعال الاختياريّة ، ومن شروط اختياريّة الفعل كون صدوره عن قصد ، والأفعال الصادرة لا عن قصد ملحقة بالأفعال الغير الاختياريّة ، فلا تتّصف عند العقل بحسن ولا قبح ، وفعل الواجب الواقعي مع ترك الحرام الواقعي في ضمن التجرّي إنّما حصلا لا عن قصد إلى عنوان الواجب حين الفعل ، ولا إلى عنوان المحرّم حين الترك ، فلا يتّصفان بالحسن فلا يصلحان جهة محسّنة للتجرّي.
وثانيهما : أنّ من موانع اتّصاف الأفعال والتروك جهالة عناوينها حين الفعل أو الترك ، فمن جهل خمريّة الخمر الواقعي لا يستحقّ بترك شربه مدحا كما لا يستحقّ بشربه ذمّا ، ومن جهل الكافر الحربي الواجب قتله فلم يقتله لجهله لم يستحقّ ذمّا ، كما أنّه لو قتله مع جهله لم يستحقّ مدحا ، ومن حسب المؤمن العدل كافرا حربيّا فلم يقتله لم يستحقّ به مدحا ، كما أنّه لو قتله لم يستحقّ به ذمّا ، وهذا هو معنى كونه معذورا كما صرّح به بقوله : « وإن كان معذورا لو فعل ».
والمفروض في التجرّي على الحرام في واجب واقعي ، وعلى الواجب في محرّم واقعي ، كون كلّ من الواجب والمحرّم مجهول العنوان عند المتجرّي ، لأنّ اعتقاد كون الأوّل محرّما والثاني واجبا جهل بعنوان الواجب في فعل الأوّل وبعنوان المحرّم في ترك الثاني ، فلا يتّصفان بالحسن ولا يستحقّ المكلّف بهما مدحا.
لا يقال : غاية ما يلزم من عدم اتّصاف الجهة الواقعيّة بالحسن أن لا تكون مؤثّرة في حسن الجهة الظاهريّة ، ولا يمتنع كونها مؤثّرة في رفع قبحها ، فالتجرّي على الحرام أو الواجب في الواجبات والمحرّمات الواقعيّتين وإن كان ممّا لا حسن فيه ، إلاّ أنّه لا قبح فيه