وضعّف الأوّل : بأنّ الظاهر أنّه خلاف مذهب الشيعة ، ولا أقلّ من كونه مخالفا لإطلاقات إجماعاتهم المنقولة ـ مستفيضة بل متواترة ـ كما يعلم في باب القياس.
ويضعّف الثاني : بأنّ الإتيان بما يظنّ وجوبه وترك الاتيان بما يظنّ حرمته ، احترازا عن الضرر المحتمل ترتّبه على الترك في الأوّل والفعل في الثاني ، احتياط من ذلك الضرر ، وهذا ليس من العمل بالقياس على معنى الاستناد إليه والتديّن به ، فمفسدة منع الشارع مترتّبة على العمل بهذا المعنى ، وهو ليس بلازم من دفع الضرر المظنون باختيار الفعل فيما ظنّ وجوبه والترك فيما ظن حرمته ، فلا مزاحمة بين الضررين ، ولا منافاة بين دفعيهما ، لأنّ مفسدة منع الشارع تترتّب على الاستناد إلى القياس ، ومفسدة ظنّ الوجوب أو الحرمة تترتّب [ على ] الفعل أو تركه ، فاختيارهما على وجه الاحتياط لا يلازم الأخذ بالقياس على وجه الاستناد ، كما هو واضح.
وإن شئت قلت : إنّ فعل ما ظنّ وجوبه وترك ما ظنّ حرمته من جهة القياس دفعا للضرر المحتمل ترتّبه على ترك الأوّل وفعل الثاني عمل بالاحتياط لا أنّه عمل بالقياس ، فلو أبدل الردّ المذكور ـ المتضمّن لدعوى المفسدة في العمل بالأمارات الممنوعة في الشرع ـ بدعوى : أنّ في نهي الشارع عن الاعتناء بها وترخيصه في مخالفتها مع علمه بأنّ تركها ربّما يفضي إلى ترك الواجب أو فعل الحرام ، مصلحة يتدارك بها الضرر المظنون على تقدير ثبوته في الواقع كان أولى ، وإن كان ذلك أيضا لا يخلو عن تأمّل ، لعدم خلوصه عن شبهة التخصيص في الحكم العقلي ، فليتدبّر.
والتحقيق في الجواب : منع الصغرى على تقدير إرادة الضرر الاخروي ، فإنّ ظنّ الوجوب أو الحرمة لا يستلزم ظنّ ترتّب العقاب على الترك أو الفعل ، إلاّ إذا كان بين الوجوب الواقعي والحرمة الواقعيّة وترتّب العقاب على المخالفة بالترك أو الفعل ملازمة واقعيّة ، وحينئذ كان العلم بهما علما بترتّب العقاب ، والظنّ بهما ظنّا بترتّب العقاب ، والشكّ فيهما شكّا في ترتّب العقاب.
بتقريب : أنّ اللازم الواقعي للشيء كما يتبعه في أصله ، كذلك يتبعه في حالاته العارضة له من العلم به أو الظنّ به أو الشكّ فيه ، وإنّما يسلّم الملازمة الواقعيّة بينهما إذا كان كلّ من الوجوب والحرمة الواقعيّين علّة تامّة لاستحقاق العقاب ، وهو بمكان من المنع بالعيان ، لكثرة ما كان المكلّف يترك واجبا واقعيّا ، أو يأتي بحرام واقعي ، ولا يستحقّ بهما عقابا