صيرورة المظنون تكليفا فعليّا ، فيكون كالشكّ بذلك محقّقا لموضوع أصل البراءة الثابت بعمومات الكتاب والسنّة ، بل العقل المستقلّ في الجملة بقبح التكليف بلا بيان وقبح العقاب بلا إقامة البرهان ، وأصل البراءة وإن لم يستلزم انتفاء الوجوب أو الحرمة المشكوك فيهما أو المظنون بهما بالظنّ المشكوك الاعتبار في الواقع ولا ينفيهما ، لكنّه يفيد انتفاء التكليف الفعلي والبراءة عن العقاب المحتمل ترتّبه على المخالفة ، فإنّ احتمال ترتّبه أو الشكّ في ترتّبه على ترك ما ظنّ وجوبه أو فعل ما ظنّ حرمته ابتدائي ترتفع بعد التأمّل في الأصل القطعي الثبوت والنظر في حكم العقل بالقبح ، فالعقاب على مخالفة ما ظنّه المجتهد واجبا أو حراما كما أنّه غير مظنون ، كذلك غير محتمل أيضا.
وهذا هو معنى ما يقال : من أنّ الأصل الثابت بالعقل والنقل يؤمننا من العقاب على مخالفة الواقع على تقدير حصولها بواسطة الجهل به ، المتحقّق عند عدم العلم ولا الظنّ المعتبر به كما فيما نحن فيه.
وأمّا على تقدير إرادة الضرر الدنيوي ، وهو المفسدة اللازمة من الترك في الواجب الواقعي أو من فعل الحرام الواقعي ، فيمكن الجواب أيضا بمنع الصغرى ، فإنّ الظانّ بوجوب الشيء أو حرمته إن بنى على العمل بالاحتياط بإتيان ما ظنّ وجوبه وترك ما ظنّ حرمته بتقريب حسن الاحتياط فلا كلام ، وإن بنى على ترك الاحتياط تعويلا على أصل البراءة واستنادا إليه فهو وإن كان مخالفة للظنّ إلاّ أنّه لا يستلزم ظنّ الوقوع في المفسدة على تقدير ثبوت الوجوب أو الحرمة في الواقع ، لوجوب وجود المصلحة المتدارك بها هذه المفسدة في العمل بالأصل ، على معنى مزاحمة مصلحة العمل بالأصل لمفسدة الترك أو الفعل ومنعها لها عن الحصول ، كتناول الترياق المتدارك به مفسدة السمّ فيمن شربه ، فإنّ الشارع الحكيم المقرّر لأصل البراءة مرجّحا للجاهل الّذي منه الظانّ بالظنّ المشكوك الاعتبار ، وجب عليه أن يعتبر في التعويل عليه والاستناد إليه نحو المصلحة المذكورة ، عملا بمقتضى حكمته ، وهو عدم إيقاعه المكلّف الجاهل في المفسدة الواقعيّة حيث قرّر له الأصل ، مع علمه بأنّه قد يفضي إلى ترك واجب واقعي أو فعل حرام واقعي ، خصوصا في الشبهات الحكميّة الّتي محلّ البحث منها ، لاستناد الشبهة فيها إلى الشارع حيث لم ينصب على الواقع دليلا علميّا ولم يجعل إليه طريقا غير علمي.
فإن قلت : يلزم على ما ذكرت أن لا يبقى لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون أو