المحتمل مورد حتّى في المضارّ الدنيويّة ، لأنّ أصل البراءة على ما ذكرت وارد عليها ورافع لموضوعها وهو ظنّ الضرر بل احتماله أيضا ، وهو كما يجري في الشبهات الحكميّة كذلك يجري في الشبهات الموضوعيّة أيضا الّتي موردها الموضوعات الخارجيّة.
قلت : الموضوعات الخارجيّة باعتبار الضرر المظنون أو المحتمل فيها مع كون الضرر دنيويّا قسمان :
أحدهما : ما كان الضرر المحتمل فيه نظير الضرر المحتمل في الشبهات الحكميّة ، وهو المفسدة الّتي يتبعها الحكم الشرعي من وجوب أو حرمة ، كالمايع المشتبه المظنون كونه خمرا ، واللحم المشتبه المظنون كونه ميتة ، والثوب المشتبه المظنون كونه حريرا أو غصبا ، وما أشبه ذلك ، وهذه هي الشبهات الموضوعيّة الملحقة بالشبهات الحكميّة في جريان أصل البراءة فيها ، الوارد على قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل لارتفاع موضوعها.
وثانيهما : ما كان الضرر المحتمل فيه ضررا ماليّا أو نفسيّا أو غيرهما ، ممّا يتّفق أحيانا باعتبار الخارج من تلف أو تعيّب أو هلاكة أو جناية أو غير ذلك ، كظنّ خسران التجارة أو وجود اللصّ ونحوه في الطريق ، وظنّ الغرق في البحر أو الحرق في البرّ ، وظنّ وقوع الجدار أو السقف ، وظنّ التضرّر من شرب ذاك الدواء أو من الصوم أو غير ذلك ممّا لا يعدّ ولا يحصى ، وهذه هي الموضوعات الخارجيّة التي يجري فيها قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون بل المحتمل ، ولا يجري فيها أصل البراءة ، لحكومة القاعدة الّتي مدركها العقل المستقلّ على أدلّته الّتي منها العقل المستقلّ أيضا الحاكم ببراءة الذمّة عن التكليف والعقاب المشكوك فيهما ، بل لعدم اندراج المورد وهو الموضوعات المظنون فيها المضارّ المذكورة في موضوع الأصل ، إذ لا يشكّ فيها في تكليف يترتّب على مخالفته مفسدة دنيويّة وعذاب اخروي لا لشبهة حكميّة ولا لشبهة موضوعيّة ، بل يظنّ فيها أو يحتمل ضرر يترتّب عليه التكليف ، وهو وجوب الاحتراز وحرمة الارتكاب.
وضابط الفرق بين القسمين ـ الّذي يعرف به مورد قاعدة وجوب دفع الضرر عن مجرى أصل البراءة ـ هو أنّ كلّ موضوع خارجي كان الضرر المظنون أو المحتمل فيه عنوانا لحكم شرعي ، من وجوب اجتناب أو حرمة ارتكاب ، ومنه وجوب الإفطار وحرمة الإمساك فيما يظنّ كون الصوم مضرّا ، ونحوه غيره ممّا يجوّزه ظنّ الضرر من ترك واجب أو فعل حرام ، بحيث لو لا ظنّه ولا احتماله لم يكن الموضوع محكوما عليه بذلك الحكم ،