فهو مورد لقاعدة وجوب دفع الضرر وهو القسم الثاني.
وكلّ موضوع خارجي لم يكن الضرر المظنون أو المحتمل عنوانا لحكمه ، بل عنوان الحكم فيه كلّي يشكّ في اندراج ذلك الموضوع فيه ، كالشكّ في كون هذا المائع خمرا وهذا اللحم ميتة وهذا الثوب حريرا وهذا المال مغصوبا وما أشبه ذلك ، فهو مجرى من مجرى أصل البراءة الّذي يقال له : الشبهات الموضوعيّة ، وهو القسم الأوّل ، فلا يلزم من العمل بأصل البراءة في الشبهات الحكميّة والشبهات الخارجيّة أن لا يبقى للقاعدة مورد لاختلاف الموضوع.
وممّا يرد على الدليل أيضا : أنّه لا يجري في مطلق الظنّ الّذي هو موضوع البحث ، كالظنّ بعدم الوجوب والظنّ بعدم الحرمة. ـ وبعبارة اخرى : الظنّ المخالف للاحتياط ـ بل مختصّ بالظنّ الموافق للاحتياط.
وتوهّم تتميمه بعدم القول بالفصل ، يندفع : بأنّه في الظنّ الموافق لا يفيد وجوب الإتيان بالفعل أو وجوب تركه باعتبار أنّه عمل بالظنّ ، بل إنّما قضي بهما من حيث إنّ الإتيان وتركه احتياط عن الضرر المظنون ، واحتراز عن المفسدة المظنونة ، وهذا المعنى في الظنّ المخالف للاحتياط منتف.
ومن هنا يعلم عدم إمكان وحدة المناط ، بدعوى : أنّ مناط العمل في الظنّ الموافق هو صفة الظنّ من حيث إنّها هذه الصفة ، وهو موجود في الظنّ المخالف أيضا ، لما عرفت من أنّ المناط هو الاحتياط المنتفي في الظنّ المخالف ، ضرورة أنّ ترك ما ظنّ وجوبه (١) وفعل ما ظنّ حرمته ليس احتياطا.
وبجميع ما ذكر يتبيّن : أنّ مفاد الدليل لا ينافي أصالة حرمة العمل بالظنّ ، ولا الدليل المذكور يعارض عمومات ذلك الأصل ، لا بطريق التباين الكلّي ولا الجزئي ، فلا يلزم من جهته تخصيص فيها ، ضرورة أنّ مفادها حرمة العمل بالظنّ على معنى ترتيب آثار الواقع عليه والأخذ بالمظنون على أنّه الواقع ، أو أنّها إنّما تدلّ على حرمته من حيث إنّه لا يغني عن الواقع ، وهذا لا ينافي تطبيق العمل عليه رجاء لإحراز الواقع ، واحتياطا عن مخالفته وحذرا عن العقاب الاخروي ، والمفسدة اللازمة من الترك أو الفعل في الدنيا.
__________________
(١) وفى الأصل : « ترك ما ظنّ عدم وجوبه » والظاهر أنّ كلمة « عدم » سهو من قلمه الشريف ، والصواب ما أثبتناه فى المتن ، فلاحظ ، تأمّل.