وعلى هذا فما في كلام بعض الأعلام (١) ـ في غير موضع من كتابه ـ من دعوى انقلاب الأصل الأوّلي بأصالة جواز العمل بالظنّ مطلقا إلاّ ما خرج بالدليل ، مع استدلاله على الحجّيّة بالأدلّة العقليّة الّتي منها ذلك الدليل ليس بسديد ، لو كان مستنده ذلك الدليل ، خصوصا إذا أراد به الانقلاب الكلّي فليتدبّر.
ولا بأس بالإشارة إلى بعض الفروع والأحكام المترتّبة على قاعدة وجوب دفع الضرر.
فنقول : إنّ الضرر الدنيوي في الموضوعات إن كان معلوما أو مظنونا فلا إشكال في وجوب دفعه ، لإطباق العقلاء وإجماع العلماء عليه ، فالظنّ باعتبار إضافته إلى الضرر في الموضوعات من الظنون الخاصّة الثابتة الحجّيّة بالأدلّة القطعيّة الّتي منها ما ذكر ، ومنها مجموع الأخبار المتفرّقة في أبواب العبادات ، وإن حصل من السبب المعلوم عدم حجّيّة نوعه ، أو السبب المشكوك في حجّيّة نوعه فضلا عن السبب المعلوم حجّيّة نوعه ، بل ظنّ الضرر حاله كحال ظنّ السلامة في الامور المعاشيّة الّذي هو أيضا حجّة من باب الظنّ الخاصّ ، لإطباق العقلاء وإجماع العلماء عليه ، مضافا إلى أنّه لو لا كونه حجّة لاختلّ نظم المعاش وانهدم أساس العالم.
ومن هنا يتبيّن : أنّ الضرر إذا كان موهوما لم يجب دفعه في العاديّات والشرعيّات معا ، لإطباق العقلاء وإجماع العلماء على طريقيّة الظنّ بالسلامة ، مع أنّ الضرر الموهوم لم يؤخذ عنوانا في الأدلّة الشرعيّة ، ولم يعلّق عليه حكم في الشريعة.
وأمّا الضرر المشكوك فهو أيضا ما لم يتولّد من الشكّ خوف الضرر ـ وهو اضطراب النفس ـ بناء على عدم كونه لازما مساويا لظنّ الضرر بل هو لازم أعمّ ، ممّا لا دليل على وجوب دفعه ، ولم يؤخذ في الشريعة عنوانا لحكم شرعي ، ولأنّ الشكّ في موارده ليس طريقا إلى الواقع.
ويظهر الثمرة : في وجوب ما توقّف وجوبه على عدم الحرمة الناشئة من جهة الضرر عند الخوف فيه ، لئلاّ يلزم اجتماع الأمر والنهي كالصوم والطهارة المائيّة ونحوه ، عند الشكّ في كونه مضرّا من دون أن يتولّد منه خوف ، ولمّا لم يكن الحرمة مع الشكّ في الضرر ثابتة فلا مانع من ثبوت الوجوب ، فإنّ المانع إنّما هو حرمة الفعل المظنون أو المخوف فيه الضرر ، لا احتمال الضرر المجرّد عن الخوف ، وهو ليس بمحرز بل المحرز خلافه.
لكن قد يقال ـ كما عن صاحب الكفاية في منع الوجوب عند الشكّ في الضرر ـ : « إنّ
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ٤٤٨.