وجوب الأفعال معلّق على الأمن من الضرر ، وهو مع الشكّ فيه ليس بمأمون فلا وجوب » (١).
وفيه : أنّ الوجوب معلّق على خوف الضرر ، ومجرّد الشكّ فيه لا يستلزمه.
نعم إذا تولّد منه الخوف فلا إشكال ، فالمقتضي للنهي الّذي لا يجامعه الأمر من جهة امتناع الأمر والنهي إمّا ظنّ الضرر أو خوفه ، لا الشكّ فيه مطلقا.
ثمّ إنّ مقتضى قوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا ضرار » (٢) النافي لمجعوليّة الأحكام الضرريّة ، أنّ الأحكام الشرعيّة لا تجامع الضرر ، وهل المنافي لها العلم أو الظنّ المعتبر بالضرر ، أو الضرر الواقعي سواء علم به أو ظنّ أو لا؟
والحقّ فيه أنّ المانع من الحكم الشرعي هو الضرر الواقعي بشرط العلم أو الظنّ به ، لا لأنّهما مأخوذان معه على وجه الموضوعيّة ، بل لأنّهما طريقان إليه. ويتفرّع عليه فرعان :
أحدهما : ما لو قطع أو ظنّ بالضرر في عبادة الطهارة المائيّة ، أو صيام رمضان فأتى بها ، ثمّ انكشف انتفاء الضرر في الواقع.
وثانيهما : عكس ذلك ، وهو ما لو قطع أو ظنّ بانتفاء الضرر فيها فأتى بها ، ثمّ انكشف وجوده في الواقع ، فهل يحكم فيهما بفساد العبادة المستلزم لوجوب الإعادة والقضاء عند ارتفاع الضرر أو لا؟
فنقول : أمّا الصورة الاولى فلا محيص فيها من فساد العبادة ، لا لمانعيّة الضرر من الصحّة حتّى يقال : بأنّ المفروض انتفاؤه في الواقع ، بل لأنّه لو لا الفساد هنا لزم اجتماع الأمر والنهي وهو غير جائز ، نظرا إلى أنّ القطع والظنّ المفروضين يوجبان النهي الفعلي عن الفعل ، لكونه معلّقا على اعتقاد الضرر ، وهو لا يجامع الأمر ، فيلزم الفساد لانتفاء الأمر.
وأمّا الصورة الثانية : فقد يتوهّم فيها أيضا فساد العبادة ، نظرا إلى أنّ قوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا ضرار » ينفي الضرر الواقعي ، ويدلّ على أنّه كالحدث مانع من الصحّة ودافع لمصلحة العبادة وإن لم يعلم به ، ومعه يستحيل الأمر بها أيضا.
نعم لو قلنا بأنّ المانع من الصحّة ورافع المصلحة هو العلم أو الظنّ المعتبر بالضرر ، لاتّجه القول بالصحّة في الصورة المفروضة ، لكنّ الظاهر من الخبر خلافه.
ويزيّفه : منع شمول الخبر للصورة المفروضة ، وإن قلنا بأنّ الضرر المنفي فيه هو الضرر الواقعي لا العلم ، فيبقى عمومات الأمر بالعبادة سليمة عمّا يخرجها عنها ، فإنّ مفاده ـ على
__________________
(١) لم نعثر عليه.
(٢) بحار الأنوار ٢ : ٢٧٦ / ٢٨.