التحقيق ـ نفي مجعوليّة الأحكام الّتي يتضرّر بسببها الإنسان ، بأن يكون العلّة الباعثة على تضرّره الحكم المجعول ، فحاصل معنى الخبر : أنّه تعالى لم يجعل في شرع الإسلام حكما يتضرّر بسببه الإنسان ، أو أنّ كلّ حكم يتضرّر بسببه الإنسان فهو غير مجعول ، وهو بهذا المعنى لا يشمل الصورة المفروضة ، ولا ينفي الأمر بالعبادة فيها ، لأنّ السبب الباعث على تضرّر الإنسان والحامل له على الوقوع في الضرر اعتقاده بانتفاء الضرر لا مجعوليّة الوجوب ، ولذا يتضرّر على تقدير عدم المجعوليّة أيضا ، فالضرر مترتّب على اعتقاد المكلّف ـ ولو ظنّا معتبرا ثابت الطريقيّة ـ لا على جعل الحكم الواقعي ، فلا قاضي من جهة الخبر بعدم جعله في هذه الصورة وما هو بحكمها ، مثل ما لو كان شاكّا في الضرر في مورده ، وكان فيه عنده أصل كلّي منضبط يرى نفسه بمقتضى ذلك الأصل مكلّفا بالعمل كالاستصحاب مثلا ، فانكشف وجود الضرر بعد العمل.
وبالتأمّل فيما قرّرناه يتبيّن : أنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المقطوع أو المظنون ليست متّحدة مع قاعدة نفي الضرر المستفادة من الخبر ، ولا أنّهما متلازمتان ، بل قاعدتان متغايرتان بينهما بحسب المورد عموم من وجه ، فيجتمعان في مورد ، وهو ما لو قطع أو ظنّ بالضرر في عبادة كالطهارة والصوم مثلا مع مطابقتهما الواقع ، فيصحّ فيه التمسّك بكلّ منهما لنفي الوجوب ، ويفترقان في آخرين.
فمن افتراق الاولى ما لو قطع أو ظنّ بالضرر مع انكشاف عدم مطابقتهما الواقع ، ومن افتراق الثانية ما لو نفى مجعوليّة حكم ضرري من غير أن يجب أو يحرم شيء على المكلّف ، كلزوم العقد المنفي عند ظهور غبن أو عيب أو نحو ذلك ممّا يوجب الخيار من جهة القاعدة.
ففي ذلك ونظائره لا يجري قاعدة وجوب دفع الضرر المقطوع أو المظنون ، لأنّ وجوب الدفع من عوارض فعل المكلّف وينحلّ إلى وجوب الإتيان بما يتضرّر المكلّف بتركه ووجوب ترك الإتيان بما يتضرّر الانسان بفعله ، كإفطار نهار رمضان في الأوّل وإمساكه في الثاني.
ومن تغائر القاعدتين أنّ الموجب لانتفاء الوجوب الواقعي في مورد القاعدة الاولى إنّما هو لزوم اجتماع الأمر والنهي لولاه ، كما أشرنا إليه ، وفي مورد القاعدة الثانية عدم مجعوليّته في الواقع رأسا.
ومن تغائرهما أيضا أنّ القطع أو الظنّ بالضرر يترتّب عليهما انتفاء الحكم الواقعي وإن لم يطابقا الواقع في القاعدة الاولى ، ويشترط مطابقتهما الواقع في القاعدة الثانية.