ثبوته في تمام القدر المكتفى به ، لأنّ وجوده في بعضه مع قضاء الدليل بالحجّيّة في غيره أيضا إلى تمام القدر المكتفى به غير مفيد ، بل وجوده بمثابة عدمه.
فنقول : قد استدلّ لتعميم حجّيّة الظنّ من حيث الأسباب ، بأنّه : ـ لولاها ـ بأن يجوز العمل ببعض دون بعض ـ لزم الترجيح بلا مرجّح لتساوي الظنّين ، وهو باطل ، فثبت التعميم ، والعمدة في ذلك إثبات صغراه ، وهو إثبات التساوي المبنيّ على عدم ثبوت المرجّح.
ومن هنا مسّت الحاجة إلى النظر في ثبوت المرجّح وعدمه ، فقد يذكر وجوده من المرجّح ، ويقال : بأنّ ما يصلح أن يكون مرجّحا امور :
الأوّل : تيقّن الحجّيّة لبعض الظنون ، على معنى كونه القدر المتيقّن ممّا علم حجّيّته من جهة دليل الانسداد لا من جهة دليل آخر ، واحترزنا بذلك القيد عن الظنون الخاصّة المفروض انسداد باب العلم بالنسبة إليها أيضا ، وما تيقّن حجّيّته من جهة دليل الانسداد ليس من الظنون الخاصّة المانع وجودها من تماميّة دليل الانسداد ، ولقد مثّل له بالخبر الّذي زكّى جميع رواته بعدلين ، ولم يعمل في تصحيح سنده ولا في تمييز مشتركاته بظنّ أضعف نوعا من سائر الأمارات الاخر ، ولم يوهن بمعارضة شيء منها ، وكان معمولا به عند الأصحاب كلاّ أو جلاّ ومفيدا للظنّ الاطمئناني بالصدور ، إذ لا ريب أنّ كلّ خبر انتفى فيه أحد هذه القيود الخمسة احتمل كون غيره حجّة دونه ، فلا يكون متيقّن الحجّيّة على كلّ تقدير.
الثاني : أقوائيّة بعض الظنون ، على معنى كون البعض أقوى من البعض ، فيتعيّن العمل عليه ، وضابط الأقوائيّة كون الاحتمال الآخر المقابل للطرف الراجح في غاية البعد ، فإنّه كلّما ضعف الاحتمال المخالف قوى الاحتمال الراجح وإزداد رجحانه.
الثالث : مظنونيّة الاعتبار ، على معنى كون بعض الظنون مظنون الحجّيّة قبالا لمشكوكها أو موهومها ، فإنّه في مقام الدوران يكون أولى من غيره ، إمّا لكونه أقرب إلى الحجّيّة من غيره ، ومعلوم أنّ القضيّة المهملة بعد صرفها إلى البعض بحكم الأصل تحمل على ما هو أقرب محتملاتها إلى الواقع ، وإمّا لكونه أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع ، لأنّ المفروض رجحان مطابقته الواقع ، باعتبار أنّه أمارة مفيدة للظنّ بالواقع ورجحان كونه بدلا عن الواقع لمكان الظنّ بحجّيّته ، على معنى كونه طريقا قائم مقام الواقع بحيث يتدارك مصلحة الواقع بمصلحته على تقدير عدم مطابقته الواقع ، فاحتمال مخالفة هذه الأمارة للواقع ولبدله موهوم في موهوم ، بخلاف احتمال مخالفة سائر الأمارات للواقع ، فإنّها على