ـ في تأليف القياس بطريق الشكل الأوّل مثلا ـ : « كلّ إنسان حيوان ، وبعض الحيوان جسم » ، أو قيل : « لا شيء من الإنسان بحجر ، وكلّ حجر جسم » ، يعلم كلّ أحد أنّ الأوّل لا ينتج قولنا : « كلّ إنسان جسم » ولا أنّ الثاني ينتج قولنا : « لا شيء من الإنسان بجسم » فالخلل الواقع في الدليل من جهة الهيئة لا يوجب خطأ ، بل الخطأ حيثما حصل فإنّما حصل لوقوع خلل في مادّة الدليل ، لبناء تأليفه على توهّم ملازمة في صغراه أو كبراه هي بحسب الواقع منتفية ، مثلا لو حصل القطع لأحد بحرمة الخمر لاعتقاده بكون الخمر مسكرا وكلّ مسكر حراما ، فدخول الخطأ في هذه النتيجة لا يتأتّى إلاّ باعتبار وقوع الخطأ في توهّم الملازمة بين الخمر والمسكريّة ، أو باعتبار وقوعه في زعم الملازمة بين المسكر والحرمة.
والسرّ فيه : أنّ إحراز الملازمة على أحد وجوهها المذكورة في الامور النظريّة الغير القريبة من الإحساس على وجه يفضي إلى إصابة الواقع في النتيجة أمر صعب بل في غاية الصعوبة ، وليس لمعرفتها طريق مضبوط في فنّ المنطق ، ولا في سائر فنون المعقول.
وقضيّة ذلك حينئذ كثرة وقوع الغلط والاشتباه في الأقيسة من جهة موادّها فيتّضح الفرق المذكور ، لوضوح أنّ الخطأ باعتبار المادّة فيما يكون مقدّماته محسوسة أو قريبة من الحسّ ممّا لا يكاد يقع ، وعلى فرض وقوعه في غاية الندرة ، بخلاف ما لا يكون مقدّماته كذلك إذ الخطأ والاشتباه فيها في غاية الكثرة ، ولأجل ذلك ما يشاهد من حصول الاختلافات والمشاجرات فيما بين الفلاسفة في الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة ، وبين علماء الإسلام في العلوم الشرعيّة من الكلام واصول الفقه والمسائل الفقهيّة وغيرها ، وليس ذلك إلاّ من جهة بعد مقدّماتها عن الإحساس ، بخلاف فنون الرياضي ولا سيّما الهندسة والحساب ، ولذا ترى أنّ الاختلاف فيها بين أربابها في غاية الندرة ، وإذا كانت الحال في الأدلّة والمقدّمات العقليّة الغير القريبة من الإحساس بتلك المثابة من كثرة وقوع الخطأ والاشتباه فيها باعتبار موادّها ، فلا يجوز الاعتماد عليها والركون إليها ، وقضيّة ذلك عدم جواز متابعة القطع الحاصل منها ، هذا.
وممّن وافقه على هذا المذاق السيّد المحدّث الجزائري في أوائل شرح التهذيب فإنّه ـ على ما حكي عنه ـ بعد ذكر كلام المحدّث المتقدّم بطوله قال : « وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه.
فإن قلت : قد عزلت العقل عن الحكم في الاصول والفروع ، فهل يبقى له حكم في