صفاته وهو الاتّصال.
ثم قال : « إذا عرفت ما مهّدناه من المقدّمة الدقيقة الشريفة ، فنقول : إنّ تمسّكنا بكلامهم عليهمالسلام فقد عصمنا من الخطأ وإنّ تمسّكنا بغيرهم لم نعصم (١) عنه » انتهى.
وحاصل ما ذكره : إبداء الفرق في الدليل العقلي بين ما لم يكن مقدّماته محسوسة ولا قريبة من الإحساس ، وما كان مقدّماته محسوسة أو قريبة من الإحساس ، كعلمي الهندسة والحساب الباحثين عن المقدار والعدد المفتقرين إلى المادّة في الخارج ، المأخوذين في هذين العلمين موضوعين مع قطع النظر عن المادّة ، فما يكون مقدّماته من هذا القسم يجوز الاعتماد عليه والركون إليه في استنباط الأحكام الشرعيّة ، وما يكون مقدّماته من قبيل الأوّل فلا يجوز الاعتماد عليها والركون إليها ، لكثرة ما يقع فيها من الغلط والاشتباه.
ووجهه : أنّ انعقاد الدليل في كلّ من الأقيسة لا بدّ له من صورة ، وهي الهيئة المعتبرة بين مقدّميه الصغرى والكبرى ، باعتبار التقديم والتأخير وتحقّق الشرائط المقرّرة في المنطق بالقياس إلى الأشكال الأربعة ، من إيجاب الصغرى وفعليّتها مع كلّيّة الكبرى في الشكل الأوّل ، واختلافهما في الكيف مع كلّيّة الكبرى ودوام الصغرى ، أو انعكاس سالبة الكبرى في الشكل الثاني ، وإيجاب الصغرى وفعليّتها مع كلّيّة إحداهما في الثالث ، وإيجابهما مع كلّيّة الصغرى أو اختلافهما في الكيف مع كلّيّة إحداهما في الرابع ، ومادّة يعبّر عنها بالملازمة فيما بين أطراف المقدّمتين المعبّر عنها بالأصغر والأوسط والأكبر المنحلّة إلى ملازمتين :
إحداهما : الملازمة بين الأصغر والأوسط ، واخراهما : الملازمة بين الأوسط والأكبر.
ومرجعهما إلى كون الأوسط لازما للأصغر وملزوما للأكبر في الشكل الأوّل ، أو كونه لازما لهما في الثاني ، أو كونه ملزوما لهما في الثالث ، أو كونه ملزوما للأصغر ولازما للأكبر في الرابع.
ولا ريب أنّ الخطأ حيثما يقع في مقدّمات الدليل فإنّما يقع باعتبار المادّة بزعم ملازمة بين شيئين لا ملازمة بينهما في الواقع في الصغرى أو الكبرى ، لا باعتبار الهيئة ، فإنّ التميّز بين الصورة المنتجة باعتبار تحقّق شرائط الإنتاج والصورة الغير المنتجة باعتبار تخلّف الشرائط أمر واضح يعرفه الأذهان السليمة والأفهام المستقيمة.
وإن شئت قلت : إنّ التمييز بينهما ضروري حاصل لكلّ ذي شعور ، ضرورة أنّه لو قيل
__________________
(١) فوائد المدنيّة : ١٢٩ ـ ١٣١.