الصادقين عليهماالسلام بوجوه كثيرة ـ قال : [ وتاسعها : مبنيّ على مقدّمة ] دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق الله تعالى وهي أنّ العلوم النظريّة قسمان ، قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار.
والسبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة أو من جهة المادّة ، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء ، لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة ، ولأنّهم عارفون بالقواعد المنطقيّة ، وهي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة ، والخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم لقرب الموادّ فيها إلى الإحساس ، وقسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة ، وعلم الكلام ، وعلم اصول الفقه ، والمسائل النظريّة الفقهيّة ، وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق كقولهم : « الماهيّة لا [ يتركّب ] من أمرين متساويين » وقولهم : « بعض نقيضا المتساويين متساويان ».
ومن ثمّ وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة ، وبين علماء الإسلام في اصول الفقه ومسائل [ الفقه ] وعلم الكلام وغير ذلك [ من غير فيصل ].
والسبب في ذلك أنّ القواعد المنطقيّة إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة ، إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم الموادّ على وجه كلّي إلى أقسام ، وليست في المنطق قاعدة بها تعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من [ تلك ] الأقسام ، [ بل و ] من المعلوم [ عند اولى الألباب ] امتناع وضع قاعدة يكفل بذلك » ـ إلى أن قال :
« فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في اصول الدّين وفي الفروع الفقهيّة.
قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقلية باطلة إلى المقدّمة النقليّة الظنّيّة أو القطعيّة.
ومن الموضحات لما ذكرناه ـ من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم من الخطأ في مادّة الفكر ـ أنّ المشّائيّين ادّعوا البداهة في أنّ تفرّق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين ، وعلى هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولى.
والإشراقيّين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل وإنّما انعدمت صفة من