ظنّيّا وهو ظاهر » (١) انتهى.
وأنت خبير بما فيه ، فإنّ الترجيح إذا كان بمعنى التعيين لا يعقل كونه قطعيّا مع كون المرجّح أعني المعيّن ظنّا بالحجّيّة ، فإنّ العقل بملاحظة الظنّ بحجّيّة الظنون المظنونة الاعتبار لا يحكم حكما قطعيّا بأنّ الجملة المعيّنة عند الشارع هي هذه الظنون ، ويكفي في سند منع ذلك أنّ الظنّ بحجّيّة هذه الظنون يحتمل معه خلاف الحجّيّة ، ومعنى احتمال خلاف الحجّيّة فيها احتمال كون الجملة المعيّنة عند الشارع غيرها ، ومع قيام هذا الاحتمال كيف يعقل كون الترجيح بمعنى التعيين قطعيّا؟ على معنى الحكم القطعي من العقل بذلك بملاحظة الظنّ بالحجّيّة ، خصوصا مع ملاحظة ما ذكرناه في منع حصول الظنّ بذلك أيضا ، من أنّ العقل لا يستحيل أن لا يكون الحجّيّة والاعتبار في نظر الشارع منوطا بظنّنا بالحجّيّة ، بل بأمر آخر لا ملازمة بينه وبين ظنّنا بالحجّيّة.
وبالجملة إمّا أن تقول بكون الجملة من الظنون ثبت بدليل الانسداد ، كونها حجّة على وجه المهملة الآئلة إلى الجزئيّة معيّنة عند الشارع ، كما هو قضيّة كون حكم العقل على وجه الإدراك لحكم الشرع ، أو تقول بعدم كونها معيّنة عنده ، كما هو اللازم من كون حكم العقل على وجه الإنشاء.
وأيّا مّا كان فالظنّ بحجّيّة ظنون مخصوصة ، لا يلازم الترجيح القطعي ملازمة عقليّة بحيث يحكم العقل به حكما قطعيّا.
أمّا على الأوّل : فلاحتمال خلاف الحجّيّة في تلك الظنون الّذي هو في معنى احتمال مغائرة الجملة المعيّنة عند الشارع لتلك الظنون ، مع ما عرفت من عدم استحالة العقل لإناطة الحجّيّة في نظر الشارع بأمر لا ملازمة بينه وبين ظنّنا بالحجّيّة.
وأمّا على الثاني : فلأنّ مناط إلزام العقل بالعمل بالظنّ بعد تعذّر الإطاعة العلميّة كونه إطاعة ظنّيّة ، وهي أقرب إلى الإطاعة العلميّة ، فتكون مقدّمة على الإطاعة الاحتماليّة عند دوران الأمر بينهما ، وهذا المناط عامّ يجري في الظنون المشكوكة والظنون الموهومة [ الحجّيّة ] جريه في الظنون المظنونة [ الحجّيّة ].
ودعوى : أنّ الظنّ بحجّيّة تلك الظنون يوجب كونها أقرب إلى العلم من غيرها ، وإذا كان مناط حكم العقل كون الإطاعة الظنّيّة أقرب إلى الإطاعة العلميّة من الإطاعة
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٣٩٥.