ملازمة بينهما وبين كون الظنّ مظنون الحجّيّة ، لكثرة ما يحصل من الظنّ المشكوك الاعتبار أو موهومة من الظنّ بالواقع ما هو أقوى بمراتب ممّا يحصل من الظنّ المظنون الاعتبار.
وأمّا الثاني : فلعدم قضاء مطلق الظنّ القائم بحجّيّة ظنّ بإثبات البدليّة بحسب جعل الشارع ، بل يتوقّف ذلك على قيام دليل قاطع بحجّيّته بالخصوص ، أو على كون الظنّ القائم بها من الظنون الخاصّة ، والمفروض انتفاء الأمرين معا ، فالإطاعة الظنّيّة الحاصلة من الظنّ المظنون الاعتبار على تقدير عدم المطابقة خالية عن إدراك الواقع وبدله ، فكيف تصير أتمّ وأكمل ممّا عداها؟
وبالتأمّل فيما ذكرنا مضافا إلى ما مضى ، يعلم أنّ الظنّ بالاعتبار إنّما يصلح لصرف القضيّة المهملة إلى ما هو قائم به إذا قام دليل قاطع أو ظنّ خاصّ بحجّيّته بالخصوص.
وأمّا مع انتفاء الأمرين ، كما هو مفروض المقام ، فهو بعد باق تحت أصالة حرمة العمل بالظنّ ، فكيف يمكن أن يكون صارفا؟
ومن هنا ينفتح لنا سبيل إلى إلزام القائل (١) بمرجّحيّة الظنّ بالاعتبار على بطلان قوله ، بأن نقول : إمّا أن يقوم قاطع بحجّية مطلق الظنّ ، فلا مورد للترجيح لفرض حجّيّة الجميع ، أو لا يقوم فلا يمكن الترجيح بمطلق الظنّ ، لمنع الحرمة بفرض اندراجه تحت أصالة الحرمة.
وأمّا المعارضة لإلزام القائلين بمطلق الظنّ بأنّهم « كما يقولون : يجب علينا في كلّ واقعة البناء على حكم ولعدم كونه معلوما يجب في تعيينه العمل بالظنّ ، فكذا نحن نقول : بأنّه بعد ما وجب العمل بالظنّ في تعيين الحكم ، فلعدم كون ذلك الظنّ معلوما يجب في تعيينه العمل بالظنّ.
ففيه : من المغالطة ما لا يخفى ، لأنّ القدر المتيقّن خروجه من أصالة الحرمة بالدليل العقلي هو الظنّ المعمول به في تعيين الحكم ، وأمّا الظنّ المعمول به في تعيين هذا الظنّ ، فهو بعد باق تحت الأصل ، فجواز العمل به ممنوع فضلا عن وجوبه ، فالإلزام المذكور في غاية الضعف.
وأضعف منه ما اعترضه هذا القائل ، على القائل بكون المراد من الترجيح في المقام هو التعيين ، بقوله : « إنّ هذا القائل خلط بين ترجيح الشيء وتعيينه ، ولم يعرف الفرق بينهما » ، ثمّ ذكر في بيان الفرق بينهما ما محصّله : « أنّ الترجيح في عنوان الترجيح بلا مرجّح ، عبارة
__________________
(١) هو الفاضل النراقي في عوائد الأيّام : ٣٩٧ ـ ٣٩٨.