مدخليّة للعمل فيها ، وإن اجتمع فيها مع الجهة النفسيّة جهة الغيريّة ، باعتبار كون الاعتقاد مع التديّن بالمعتقد شرطا في صحّة العمل في الفروع ، ثمّ الاعتقاد بمعنى الإذعان للواقع والتديّن به ـ على معنى قبوله دينا في اصول الدين ـ كلّ منهما مطلوب على وجه الموضوعيّة على معنى محبوبيّة كلّ من الأمرين لذاته لمصلحة في نفسه.
وقد اختلفوا في أنّ هذا الموضوع المطلوب لذاته ، أعني الإذعان هل هو خصوص العلم بمعنى الاعتقاد الجازم المطابق المستحصل من النظر والاستدلال ، أو هو العلم بمعنى الاعتقاد الجازم المطابق وإن حصل من التقليد ، أو هو الاعتقاد الظنّي المستحصل من النظر ، أو هو الاعتقاد الظنّي مطلقا وإن حصل من التقليد ، أو الاعتقاد الظنّي المستحصل من الأخبار ، أو هو الجزم أو الظنّ ولو من التقليد ، فذهب إلى كلّ فريق ، فحصل لهم في المسألة أقوال ستّ ، ذكرناها في باب الاجتهاد والتقليد في مسألة التقليد في اصول الدين ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ القول بكفاية الظنّ فيها مطلقا ليس مستنده دليل الانسداد ، لعدم جريانه فيها لانفتاح باب العلم فيها ، أو لعدم ثبوت التكليف بالإيمان حيث يتعذّر العلم لئلاّ يلزم التكليف بما لا يطاق ، بل لابدّ لكلّ من يكتفي فيها بالظنّ من دليل خاصّ به.
والأقوى بل الحقّ الّذي لا محيص عنه هو وجوب تحصيل العلم فيها ، وعدم كفاية الظنّ مطلقا ، وإن حصل من الأخبار ، للأدلّة الأربعة من العقل والإجماع والكتاب والسنّة الّتي ذكرناها مشروحة في المسألة المشار إليها من الباب المذكور ، ولا حاجة إلى التعرّض لذكرها هنا.
وأمّا القول بكفاية الظنّ فيها فلم نقف على دليل سوى ما ذكره في الضوابط ممّا ملخصه : « أنّه إن جاز الاكتفاء به فهو المطلوب ، وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق مع انسداد باب العلم ، واختلال النظام مع انفتاحه إذا اشتغل الجميع بتحصيل العلم في الاصول » (١) ولا خفاء في وهنه بل هو أوهن من بيت العنكبوت ، لمنع الملازمة في كلّ من التقديرين.
أمّا الأوّل : فلعدم التكليف بالإيمان مع الانسداد ، لتعذّر المكلّف به وامتناعه ، ولا ريب أنّ القدرة عليه من شروط التكليف ، وبدليّة الظنّ عن العلم حينئذ تحتاج إلى دليل مفقود في المقام.
وأمّا الثاني : فلأنّ العادة لا تجمعهم على الاشتغال دفعة واحدة ، لأنّ من الناس من
__________________
(١) ضوابط الاصول ١ : ٣١٦.