طلب رجحان الصدق في العمل بالخبر من ضروريّات العقول ، ولا يوجد عاقل يعمل به مع الحيرة والتردّد في صدقه وكذبه ، فحمل كلام الحكيم عليه إرجاع له إلى توضيح الواضح » ، فإنّه في محلّ البحث غير جيّد ، لبناء الكلام على عدم اعتبار الظنّ المدّعى كونه جابرا ، فلا ينفع بلوغه حدّ الاطمئنان في كونه حجّة.
فنقول في منع جابريّته : إنّه في نفسه غير حجّة ، ولا أنّه قابل لجبر ضعف الخبر ولا قصوره إلاّ على تقدير ثبوت التعميم في التبيّن ، وقد عرفت منعه بما ذكرناه من الوجوه.
وبما ذكر علم الوجه في عدم جواز جبر الدلالة قصورا من جهة الإجمال كقوله عليهالسلام : « اعتدي ثلاثة قروء » (١) أو ضعفا كدلالة الكلام باعتبار التعليق على الوصف على المفهوم الوصفي ، فلو وجدنا الشهرة العمليّة بين العلماء في إيجاب الاعتداد بثلاثة أطهار ، أو في نفي وجوب الزكاة في معلوفة الغنم ، فلا ينجبر بها قصور دلالة الأوّل ولا ضعف دلالة « في الغنم السائمة زكاة ».
أمّا أوّلا : فلأنّ غاية ما فيها الكشف الظنّي عن الحكم الواقعي ، لا عن كون ذلك مرادا من الخطاب.
وأمّا ثانيا : فلأنّ هذا الكشف الظنّي على تقدير رجوعه إلى المراد لا يجوز التعويل عليه ، لمكان عدم اعتبار ذلك الظنّ ، ويؤيّده : أنّ الظنّ الغير المعتبر كالحاصل من النوم أو الرمل أو الجفر أو خبر الصبيّ والقياس ، كما لا يصلح مزاحما للظهور اللفظي فيما كان ظاهر الدلالة على المعنى المراد ـ بناء على ما حقّقناه في غير موضع ، وسنذكره أيضا كون الظهور اللفظي معتبرا من باب الظنّ النوعي ، وهو كون اللفظ بحيث لو خلّي وطبعه مفيدا للظنّ بالمعنى المراد ، وإن اتّفق في مورد عدم حصول ظنّ منه فعلا ، لفقد شرط أو وجود مانع كالظنّ الغير المعتبر بالخلاف ، ومرجعه إلى عدم كون الظنّ الفعلي بالمراد شرطا في اعتبار الظهور ، ولا كون الظنّ الغير المعتبر بخلافه مانعا منه فكذلك لا يصلح محرزا للظهور ، الّذي لا يتأتّى إلاّ بكون الكلام بنفسه أو بواسطة القرائن المعتبرة ظاهرا في معنى على أنّه المراد منه ، وهو المقصود من جبر الدلالة.
وبما بيّناه ظهر أنّ ما قيل : من « أنّ ما اشتهر من أنّ ضعف الدلالة منجبر بعمل الأصحاب غير معلوم المستند » في محلّه ، إن اريد بعمل الأصحاب الشهرة الفتوائيّة ، وأمّا
__________________
(١) الوسائل ٢٢ : ٢٥٤ / ١ ، ب ٣٨ كتاب الطلاق.