ولو بحكم الأصل.
ولكن كون ذلك الأصل سليما عمّا يرد عليه مبنيّ على جواز خلوّ واقعة هذا الحكم في حقّنا عن حكم مجعول بكوننا فيها كالصبيان والمجانين والبهائم ، وهو خلاف التحقيق ، بل في كلّ واقعة في حقّنا بحكم الضرورة والإجماع والأخبار المتواترة ـ كما تقدّم بيانه في مقدّمات دليل الانسداد ـ حكم مجعول من الخمس المعروفة ، فيشكّ في تغائر حكمنا المجعول لحكمه والأصل ينفيه ، لأنّه يقتضي جعلا آخر زائدا على جعل حكمه والأصل عدمه ، وهو يقتضي المشاركة بكون الحكم المتعلّق بالنبيّ متعلّقا بغيره أيضا ، وهذا الأصل لسببيّة شكّه وارد على أصالة عدم التعلّق.
لا يقال : كون الشكّ في تعلّق الحكم المتعلّق بالنبيّ بغيره مسبّبا عن الشكّ في جعل حكم مغائر لذلك الحكم في حقّ غيره ، ليس بأولى من العكس ، فينعكس الورود ، إذ لا شبهة في تعلّق حكم بغيره مردّد بين كونه الحكم المتعلّق به ، أو الحكم الآخر بسبب الشكّ في جعل حكم آخر ، فبأصالة عدم جعل حكم آخر في حقّ غيره يحكم بتعلّق الحكم المتعلّق به بغيره ، وهذا هو معنى مشاركة غيره في الحكم الثابت له من غير فرق فيه بين كونه إباحة شيء له ، أو وجوب شيء أو حرمته عليه ، أو استحبابه ، أو كراهته له.
هذا ولكنّ الإنصاف : أنّ الأصل المذكور لا يثمر إلاّ على القول بالاصول المثبتة ، إذ لا تعارض بينه وبين أصالة عدم تعلّق ما تعلّق بالنبيّ بالذات ، بل التعارض يحصل بينهما لعارض من جهة مقدّمة عدم خلوّ الواقعة في حقّنا عن الحكم ، وهذا الحكم المعلوم بالإجمال مردّد بين الحكم المجعول للنبيّ وبين غيره ، فلا ترتّب بين الشكّين ، بل هما مسبّبان عن العلم الإجمالي الحاصل من المقدّمة المذكورة.
وقد يفصّل ويقال : بأنّه ليس في الاصول الفقاهيّة كأصل العدم وغيره ما يكون مرجعا في جميع فروض المسألة ، بل أصل العدم قد يقضي بالاشتراك وقد يقضي بالاختصاص فيختلف مقتضاه ، فإنّه لو ثبت في حقّه إباحة شيء وشككنا في أنّ الثابت في حقّنا أيضا هو الإباحة حتّى يلزم الاشتراك ، أو الحرمة حتّى يلزم الاختصاص ، فلا ريب في أنّ الأصل هو الأوّل ، لأنّ ثبوت الحرمة في حقّنا يحتاج إلى الجعل ، والأصل عدمه مضافا إلى أصالة البراءة.
وكذا لو شككنا في كون الثابت في حقّنا الوجوب ، وكذلك إذا ثبت له حرمة شيء